ريادة الأمم والشعوب في بعد من أبعادها تعود الى مشيئة التاريخ والجغرافيا حتى وإن أغفل البعض هذا المعطى بالغ الأهمية. فإذا أردنا قياس أهمية بلد ما لا يكفي ان ننظر الى مساحته الشاسعة او الى ثقله الديمغرافي وهي معطيات على أهميتها لا تكفي بمفردها لتحديد المكانة والأهمية فالموقع الاستراتيجي لبعض الدول شكّـل دعائم حضورها الفاعل تماما كما ان العراقة والتاريخ الضارب في القدم يؤصّل للقيمة الممنوحة لاي مجال جغرافي.
ولعلّه من الاهمية بمكان التذكير بهذه المسائل ونحن نعيش في عالم متلاطم الأمواج حيث افصحت لعبة الأمم عن بعض قواعدها في سياقات مرتبكة قال عنها أنطونيو غرامشي «إن العالم القديم بصدد الأفول والجديد لم يولد بعد وفي انعكاس النور على العتمة تبرز الوحوش». كما انه من المفيد هنا التوقف عند بعض المسائل التي تبدو بديهية بالنسبة الى البعض خاصة المحطات التاريخية الكبرى ومنها العولمة المتوسطية التي عرفتها عصور ما قبل التاريخ وكانت أرضنا منطلقا لها وقلب المتوسط النابض الذي صاغ حضارة لم تندثر حتى اليوم. كما لعبت بلادنا دوما دور تجسير الفجوة بين الغرب والشرق وبين القارة الافريقية التي منحتها إسمها والقارة الأوروبية.
وقد أدرك التونسيون دوما أهمية موقع بلادهم ومكانتها تاريخيا وعملوا في الكثير من الأحقاب التاريخية على استثمار كل هذا لفائدتهم. وهو بالضبط ما نحتاجه اليوم في ظل كل التحولات التي تعصف بالعالم وتغير طبيعة العلاقات والتحالفات غربا وشرقا.
والأكيد ان كل المعطيات المذكورة آنفا يعرفها الشركاء الأوروبيون ولا يبخسونها حقها فهم يدركون أهمية التعاون والشراكة مع بلادنا التي منحوها مكانة الشريك المتميز فهو بوابتهم على القارة السمراء وكنوزها المخفية وهي أيضا اقرب العواصم العربية اليهم لتسهيل كل أشكال التبادل الاقتصادي وأمنها قطعا من أمنهم وهو ما تجلى في ظاهرة الهجرة السرية وارتداداتها عليهم وعلينا.
كما ان الانفتاح الثقافي وتركيبة الشخصية القاعدية للتونسي وقدرته على التأقلم تجعل مقومات التعاون والشراكة اكثر سهولة وليونة بالمقارنة مع غيرنا.
والحقيقة أننا لا نريد أن نطنب في هذا الموضوع كثيرا ولكن الأحداث والوقائع فرضت الخوض فيه خاصة مع خصوصية المرحلة التي تعيشها بلادنا ومع التحولات الجيوسياسية في المنطقة. ومع تأكيد الأوروبيين في أكثر من مناسبة على أهمية التعاون مع تونس وآخرها الاتصال المهم الذي تلقاه وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج السيد محمد علي النفطي من المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط التي جددت تمسك الاتحاد الأوروبي بتعزيز علاقات التعاون مع تونس باعتبارها شريكا استراتيجيا متميزا. وأعربت عن عزمها على تعزيز الشراكة التونسية الأوروبية خاصة في مجالات التنمية المستدامة والهجرة والطاقات المتجددة. وفي هذا السياق ثمّنت المسؤولة الأوروبية الدور المحوري لتونس في تحقيق الامن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وفق ما جاء في بلاغ وزارة الاشراف.
وكان هذا الاتصال مناسبة أكد فيها وزير الخارجية على الأهمية التي توليها تونس لعلاقات التعاون مع الشريك الأوروبي وفق مقاربة قوامها الاحترام المتبادل والنديّة كما ذكّر الوزير بالتزام تونس بمسار الانتقال الديمقراطي المبني على اختيارات سيادية للشعب التونسي.
وأفاد السيد محمد علي النفطي في هذا الخصوص بأن هذه المقاربة ستساهم في توفير الظروف الملائمة لانعقاد مجلس الشراكة خلال سنة 2025 وفق نص البلاغ دائما. وسيتم ذلك بناء على تقييم موضوعي لاتفاقية الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي وذلك تزامنا مع الذكرى الثلاثين لإبرام هذه الاتفاقية.
حقيقة موضوعية لابدّ أن يدركها كل مسؤول في الدولة : المنصب ليس «مقاما رفيعا»..بل مسؤولية ثقيلة..!
تعرف المحطات المفصلية من تاريخ الأمم والشعوب بمعادن رجالها ونسائها ممن يتصدرون للمسؤولية ت…