إشكاليات إدارة صابة الزيتون وغلاء المشاتل : آن الأوان لمراجعة سياسات ديوان الزيت للمحافظة على مكانتنا الدولية
كثرت الانتقادات الموجهة للديوان الوطني للزيت خلال هذا الموسم وتباينت صلب الرأي العام الفلاحي بسبب تدني أسعار الزيت والزيتون على حد سواء. وآخر هذه الانتقادات شملت أسعار الشتلات التي يبيعها الديوان للعموم بأسعار أقل ما يقال فيها أنها لا تتماشى والقدرة الشرائية لصغار الفلاحين حيث أن أغلب أسعار الشتلات المحلية والأجنبية تفوق أسعار البيع التي تقدمها المنابت الخاصة .
تُمثّل غراسة الزيتون جزءًا أصيلاً من التراث الفلاحي والاقتصادي التونسي، حيث شكّلت تونس لعقود ركيزة في إنتاج وتصدير زيت الزيتون عالميًا ومع ذلك، يواجه هذا القطاع اليوم تحديات كبيرة، أهمها تراجع الأصناف المحلية التاريخية، مثل صنف الشملالي الذي غاب أصلا عن قائمة الإكثار والتوزيع لهذا العام وفق نص بلاغ الديوان أول أمس، في مقابل تزايد الاعتماد على الشتلات الأجنبية. هذه السياسة تُثير الكثير من التساؤلات حول استراتيجيات ديوان الزيت وإدارة القطاع الفلاحي بشكل عام.
الأصناف المحلية في مواجهة الأصناف الأجنبية
يُعتبر صنف الشملالي أحد الرموز التاريخية للزيتون التونسي، حيث يمتاز بقدرته على التأقلم مع الظروف المناخية المحلية وإنتاج زيت ذي جودة عالية. لكن في السنوات الأخيرة، لاحظنا تركيزًا متزايدًا من ديوان الزيت على تقديم شتلات أجنبية، بحجة تحسين الإنتاجية وجودة الزيت.
ورغم مزاعم تحسين الإنتاج، يواجه الفلاحون تحديًا إضافيًا يتمثل في ارتفاع أسعار الشتلات التي يوفرها الديوان مقارنة بتلك المعروضة لدى الخواص. هذا الفرق في الأسعار يُضيف عبءا ماليًا على الفلاحين، خصوصًا في ظل تدني أسعار الزيتون وتراجع أرباحهم.
تداعيات السياسة الحالية على الفلاحين والقطاع
من بين التداعيات التي يمكن ذكرها ،تدهور التنوع البيولوجي المحلي حيث يؤدي الاعتماد على الأصناف الأجنبية إلى تهديد الأصناف المحلية التاريخية مثل الشملالي، ويُهدد الهوية الفلاحية للقطاع. إلى جانب أعباء مالية على الفلاحين من حيث أسعار الشتلات التي يوفرها ديوان الزيت التي تُعتبر مرتفعة مقارنة بالأسعار المتاحة عند الخواص، مما يجعلها أقل جاذبية للفلاحين الذين يعانون من ضغوط اقتصادية وهي استنتاجات وملاحظات استقيناها من بعض الفلاحين. هذا إلى جانب ان الشتلات الأجنبية غالبًا ما تكون أقل قدرة على مقاومة الأمراض المحلية والجفاف مقارنة بالأصناف المحلية المتأقلمة مع البيئة التونسية.
إدارة موسم الزيتون والصابة الحالية
أظهر الموسم الحالي ضعفًا في إدارة القطاع من قبل ديوان الزيت، حيث عانى الفلاحون من تدني الأسعار وانخفاض غير مسبوق في أسعار الزيتون، ما أدى إلى خسائر كبيرة في مداخيلهم وتواصل بقاء أكثر من نصف الصابة دون جني إلى حد الآن وهوما يفسر عدم رضا الفلاح بالأسعار المتداولة كما أن الديوان لم يقدم خططًا فعالة لدعم الفلاحين أو تحسين تسويق الزيتون باستثناء بعض الإجراءات.
إعادة الاعتبار للأصناف المحلية أصبح ضرورة ويجب أن تتبنى السياسات الفلاحية برنامجًا وطنيًا لتشجيع زراعة الأصناف المحلية، وخاصة الشملالي، وتقديم شتلات مدعومة بأسعار معقولة فضلا عن تحسين إدارة الإنتاج والتسويق ووضع خطة شاملة لتثمين صابة الزيتون وتحسين تسويق زيت الزيتون التونسي داخليًا وخارجيًا وكذلك العمل على مراجعة سياسات تسعير الشتلات من حيث ضبط أسعار الشتلات التي يوفرها الديوان لتكون متناسبة مع إمكانيات الفلاحين ومنافسة للأسعار التي يوفرها القطاع الخاص.
قطاع الزيتون في تونس ليس فقط موردًا اقتصاديًا، بل رمزًا ثقافيًا وتراثيًا يستحق الحماية والتطوير. إذ أن تغييب الأصناف المحلية، وارتفاع أسعار الشتلات التي يوفرها ديوان الزيت، يُفاقم التحديات التي تواجه الفلاحين ويُعطل مسار التنمية الفلاحية الزراعية. وبالتالي آن الأوان أن يُعيد ديوان الزيت النظر في سياساته لضمان استدامة القطاع وتعزيز مكانة تونس.
أزمة مادة المرجين في تونس وأثرها على البيئة : من مادة سامّة إلى فرص اقتصادية ناجعة
تُعدّ مادة المرجين، الناتجة عن عملية عصر الزيتون لاستخلاص الزيت، من أبرز المخلفات الضارة ب…