في المسابقة الرسمية لأيام قرطاج السينمائية : الفيلم الروائي السوري الطويل «سلمى» لجود سعد : مرهق هو .. الإنــتــــظـــار
قد يقضي الزلزال على الكثير من الأرواح البشرية، لكن ثمة أنواع أخرى من الزلازل الاجتماعية والسياسية والإقتصادية والنفسية أيضا التي يمكنها أن تحول الإنسان الى كتلة من الوجع والفجيعة والصراع والإنتظار .. وقد يهدم الزلزال عشرات المباني وتتحول في لحظة الى أكوام من التراب ولكن ما أبشع أن يهدم بداخلك الأمل و الفرح والرغبة في مواصلة طريق .. الحياة
وفي الفيلم الروائي الطويل للمخرج جود سعد “ سلمى” الذي يشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة في الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية يمكنك الدخول في عوالم كثيرة رصدتها كاميرا هذا المخرج السوري الشاب الذي إختار تصوير حياة امرأة تدعى “ سلمى”(سولاف فواخرجي) قامت بدور بطولي تلقائي بانقاذها لعدة أرواح بشرية إثر وقوع زلزال في منطقتها وفي العمارة التي كانت تقطنها إختفى على إثرها زوجها وتوفيت شقيقتها وزوج شقيقتها في حين تمكنت “ سلمى” من إنقاذ ابنها وابن شقيقتها ورصدت تدخلها الشجاع كاميرات الهواتف الجوالة لتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ولتصبح سلمى ملقبة بـ “قاهرة الزلزال” ولم تكن أبدا تدرك بأنها ستكون “ قاهرة الإنتظار” أيضا لأن “سلمى “ ظلت طيلة سنوات طويلة بعد هذه الحادثة تنتظر عودة زوجها “ ناصيف” و تحملت مسؤولية تربية ابنها وابن أختها اليتيم و العناية بوالد زوجها الرجل الطيب الهادئ الذي يحب الاستماع الى أحداث رواية يكتبها صديقه الأديب المثقف تصور قصة حب سلمى وناصيف منذ بدايتها.
هي كلها شخصيات فيلم “ سلمى” الذي تم تصويره في ريف الساحل السوري ومكن المشاهد من الاستمتاع بالعديد من المناظر الطبيعية الخلابة في سوريا ولكن هذا الجمال لم يمنع فيلم “ سلمى” من تعرية حقيقة الطبقة الفقيرة الكادحة التي أصبحت تعاني من الحاجة الى أبسط مقومات الحياة الكريمة بعد الحرب وظهور شخصيات طغى عليها الجشع والقسوة كشخصية “ أبي عامر”(باسم ياخور) صاحب النفوذ وأحد أثرياء الحرب الذي حاول استمالة “ سلمى” و إغراء مبادئها مقابل المال لتقوم بتصوير فيديو تشجع فيه أهل الجهة للتصويت لأخيه في انتخابات مجلس الشعب وكانت محاولاته فاشلة انتهت بمشهد تبادل العنف بينه وبين “ سلمى” التي قررت أن تخوض بنفسها تجربة الانتخابات وفازت في نهاية الفيلم بكرسي في مجلس الشعب.
ولكن قبل هذا الفوز لم تكتمل سعادتها لأن “ ناصيف” لم يعد .. ولم يعرف طريقه أو مصيره بعد محاولاتها الفاشلة في استخراج شهادة وفاة لزوجها و فشلت أيضا في استخراج زواج سفر لإبن شقيقتها، وفشلت في العودة أو الذهاب الى المدرسة لتمارس مهنتها كمربية أمام غياب المواصلات في حيها الفقير، وفشلت في إيجاد زوجها بين عشرات السجناء الذين تم تحريرهم وتبرئتهم من تهمة الإرهاب، وفشلت في تغيير طعم قدرها وتحرره من طعم وجبة البطاطا اليومي لتنتصر لدموعها وشوقها ليلا حين تعرض فيديوهات قديمة جمعتها بزوجها.
“ سلمى “ فيلم لم ينس شخصيات أخرى من شباب هذه الجهة التي تم إستقطابها في عمليات تهريب الدخان وحلم شبابها بتوفير أبسط حاجياتهم و بحقهم في الحب والحياة ..
والأكيد أن هذا العمل السينمائي الذي اشترك في كتابته كل من جود سعد وطارق علاف و سومر إبراهيم تمكن من تقديم صورة امرأة سورية أو لنقل أيضا صورة لإمرأة عربية اليوم تعاني من العديد من الضغوطات و تجبر على عدم الوقوع في الفشل والضعف و الوهن و الاستسلام لتصل بعائلتها الى بر الأمان النفسي خاصة ..والأكيد أن بداخل كل امرأة “ سلمى” و لكل منهن حكاية وتفاصيل ومسؤولية ..و إنتظار ..
وكان إهداء فيلم “ سلمى “ الى روح المخرج والسيناريست والممثل السوري عبد اللطيف عبد الحميد الذي غادرنا في شهر ماي 2024 بعد أن كانت أخر مشاركة له في هذا العمل أين قام بدور “ أبا ناصيف “ كما شارك في هذا العمل كل من حسين عباس و مجد فضة وغيرهم ..
اليوم اختتام الدورة 35 لأيام قرطاج السينمائية : جوائز ورشة «شبكة» و«تكميل»
كشفت أيام قرطاج السينمائية في دورتها الخامسة والثلاثين الخميس 19 ديسمبر 2024 عن جوائز ورشت…