في الشأن التربوي – التلميذ المختلف : آلـــيـــات الـــتـــعامـــل
تأتي فترة الامتحانات لتذكرنا بمسألة تربوية مهمة جدا في مرحلتي التعلّم والتقييم وهي الاختلاف الذي يميز التلاميذ بعضهم عن بعض في كل قسم، وهل نتعامل معهم بالوجه المطلوب في منظومتنا التربوية . ونتناول في هذا المقال الاختلاف بين التلاميذ كبشر من جوانب مختلفة، وكيف أنه لو تعاملنا معهم بالأساليب العلمية والأهمية المطلوبة لكفينا المنظومة عناء وتبعات عديد حالات الفشل التي يسببها ذلك الاختلاف . فمن هو التلميذ المختلف ؟ وكيف نتعامل معه ؟
يحظى الاختلاف بين التلاميذ في المدرسة وكيفية التعامل معهم باهتمام كبير بين الباحثين في المجال التربوي لتأثيره على أداء المتعلمين وعلى نجاعة التعليم ومردوديته .
أنواع الاختلافات
والتلميذ الذي يمكن أن نصفه بـ«المختلف» في المدرسة هو عادةً الذي تظهر عليه صفات أو سلوكيات تميّزه عن زملائه، سواء كانت داعمة لأدائه التعليمي أو مؤثرة سلبا عليه . ومن أنواع الاختلاف أن يكون «المختلف» متمتعا بموهبة أو بمواهب إبداعية استثنائية في مجال أو مجالات معينة ، أو أن يتمتع بقدرات ذهنية عالية وقد تكون مبهرة ، أو أن تكون لديه صعوبات تعلم ظرفية ، أو أن تكون لديه اضطرابات تعلّم، أو من نصنفهم من ذوي الحاجات الخاصة نتيجة خلل في الجهاز العصبي قد يكون لأسباب وراثية مما يؤثر على العمليات الذهنية التي يحتاجها الطفل للتعلّم ، أو تجعله يفكر ويتصرف بطريقة خارجة عن المألوف. فمنهم من لديه بعض اضطرابات في مهارات الاستيعاب تتعلق إما بالفهم أو بعسر القراءة «Dyslexie» أو بالكتابة «Dysgraphie» أو بالعمليات الحسابية «Dyscaculie» أو بالانتباه والتركيز «TDA» أو بمعالجة المعطيات أو عدم التناسق في الحركة «Dyspraxie» وغيرها.. وهناك من يعانون من مرض التوحد «Autisme» بسبب اضطرابات تؤثر في طريقة تواصلهم مع أترابهم ومع المدرسين أيضا كما تؤثر في تكيفهم معهم ، وهناك اختلافات أخرى تتعلق ببعض الظواهر النفسية كالخجل الزائد عن الحد في القسم، أو بالعكس من ذلك الاندفاع إلى حد التهور. وهناك ظاهرة التلميذ العنيف لفظيا وقد يتطور ليصبح عنفا ماديا يؤثر سلبا على التواصل والاندماج مع الأتراب ، وهناك الاختلاف الناتج عن الأصل الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي تجاه الفاعلين في المدرسة ، وهناك ظاهرة الانزواء وعدم الاهتمام بما يجري في القسم ويشكو صعوبة التجانس مع الأتراب .
وأمام هذه الاختلافات وغيرها التي تهدد أصحابها بالفشل الدراسي نحو الانقطاع عن المدرسة لأن تلك الاضطرابات تؤثر حتما في تحصيلهم العلمي ، فإن المدرسة مضطرة لإيجاد كل الحلول الممكنة لتحقيق العدالة والإنصاف بين بناتها وبنيها، من أجل تمكينهم من حقهم جميعا في تعليم عادل وجيد . فكيف التصرف حسب الباحثين في المجال ؟
آليات التعامل مع التلميذ المختلف
يتطلب التعامل مع التلاميذ المختلفين آليات عمل منها الخصوصي جدا لفئات معينة وليس مجاله هذا المقال . لكن من الآليات ما يمكن تعميمه على الجميع مهما كان نوع الاختلاف . وعن تلك الآليات سأتحدث لكن نؤكد منذ البداية أنها لا يمكن أن تنجح، لو لم نوفر بيئة مدرسية يجد فيها كل تلميذ مهما كان اختلافه الفضاء المناسب لتعلمه، يشعر فيه الجميع بالراحة والانسجام مهما كان اختلافهم، وتكون العلاقات في الفضاء المدرسي قائمة على قيم الاحترام المتبادل وقبول الآخر مهما كان مختلفا والتعاون والعدالة . وعندما تتوفر في الفضاء المدرسي تلك المواصفات يمكن العمل على تطبيق الآليات التالية التي تساعد المختلف على النجاح في المدرسة :
فمن أهم الآليات في المجال البيداغوجي أن يعتمد المدرسون طرق تدريس مرنة، مع توفير وقت تدريس إضافي عند الحاجة ، واستخدام وسائل الشرح المختلفة السمعية البصرية خاصة، مستجيبة لحاجيات الاختلاف لدى تلاميذهم، وتطبيق البيداغوجيا الفارقية أو بيداغوجيا المشروع في التدريس ، والاعتماد على التعليم التشاركي الذي يقوم على التفاعل والتعاون بين الأتراب لأن الأنشطة الجماعية التشاركية تطور مهارات التفكير النقدي لدى المتعلمين. وأن يكون الجانب البيداغوجي فرصة لبناء علاقات إيجابية مع المتعلمين مما يساهم في تطوير أدائهم التعليمي .
وبخصوص الجانب التربوي، فإن التعامل السليم في المدرسة مع التلاميذ المختلفين يغير من علاقتهم بالمدرسة ومن تموقعهم وحياتهم فيها . ومن مظاهر ذلك أن نتعامل معهم بما يدعم ثقتهم بأنفسهم، وشعورهم بالانتماء والأمان، ويدعم تواصلهم مع الآخرين واندماجهم مع المجموعة، مثل المبادرة بالتشجيع كلما أنجزوا المهمات المكلفين بها، ومثل بناء تحصيلهم العلمي على نقاط القوة لديهم، ومثل تشريكهم في الأنشطة المختلفة في فضاء مدرسي جذاب، وتعزيز نشاطهم داخل المجموعة التي ينتمون إليها، وتشجيعهم على التعبير عن أفكارهم، وقبول النقاش حولها .
وأخيرا تمثل تلك الآليات حافزا للمتعلمين المختلفين يزيد من دافعيتهم للتعلم، واقتناعهم بقدرتهم على النجاح مثل غيرهم من التلاميذ ، وبأنهم يلقون في مدرستهم كل المحبة والتقدير من أترابهم . لأن الحافز يؤثر مباشرة على دافعية المتعلم واهتمامه بالمعرفة، ويساعده على الاستمرار فيها، وعلى مواجهة التحديات مهما كان داخليا متأتيا من عزيمة المتعلم الذاتية ، أو خارجيا متأتيا من التشجيعات أو المكافآت التي يتلقاها المتعلم نتيجة نجاحه في مهمات تعليمية ، كما قال Edward Deci و Richard Ryan صاحبا نظرية «العزيمة الذاتية» La théorie de l’autodétermination في كتابهما الصادر سنة 1985 حول تأثير الدافعية في سلوك الانسان . وهكذا تكون هناك فرصة للمدرسة لفرض قيمة جديدة فيها هي قيمة التصرف في التنوع . ويحتاج هذا التمشي إلى التعاون مع الأولياء الذين يعرفون عن أبنائهم ما قد يوجه المدرسة في التعامل السليم معهم، ويساعدهم على النجاح .
(❊) باحث وخبير في الشأن التربوي
في الشأن التربوي مكانة المدرّس هي أساس العملية التعليمية
تفاعلا مع فاجعة انتحار المدرس الأستاذ الجلولي – رحمه الله – مضرما النار في جسده بعد …