2024-12-17

الثورة التونسية بين الأهم والمهم… في ذكرى اندلاعها: مسار صعب..بين يسر وعسر..!

في مثل هذا اليوم من عام 2010 انطلقت الشرارة الأولى لحراك شعبي تونسي سلمي اتفق على تسميته لاحقا الثورة التونسية أو ثورة الياسمين رغم ان بعض المؤرخين والباحثين في الظاهرة ارتأوا انها انتفاضة. ولكن في كل الحالات  كانت منطلقا لتغيير شامل ليس في تونس فحسب وانما في المنطقة العربية تقريبا بأكملها. فقد قاد التوق الى الحرية والاشواق للعدالة المواطنين للخروج الى الشارع حاملين شعارا مستمدا من قصيدة إرادة الحياة التي ستصبح انجيلا لكل الثورات التي تلت وصدحت الحناجر بصوت واحد «الشعب يريد» وبدا واضحا ان هذا المارد لا يمكن ان تكبّله القيود  او تقف امامه الحواجز وانه مادام أراد فلابد ان يستجيب القدر ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر.

وبالفعل تحررت كل الأيادي من القيود التي كبّلتها كما كسرت النفوس ربقة الخوف وخرجت الى الساحات والشوارع ملتحمة في مشهد ملحمي. وقاد هذا الى كنس رأس النظام يوم 14 جانفي 2011 لتفتح تونس أشرعتها على مرحلة جديدة ولتبدأ قطع الدومينو في السقوط في المنطقة العربية بأشكال ومسارات مختلفة كل وفق طبيعة البلد ونمط الحكم فيها والسمات العامة للشخصية القاعدية فيها سواء تعلق الامر بمصر او ليبيا او اليمن وأخيرا سوريا التي التحقت مؤخرا بركب الأنظمة التي سقطت. لكن المآلات بالتأكيد مختلفة تشبه المتغيرات التي ذكرناها آنفا.

وهنا نحن لسنا في وارد مقارنات او البحث عن تشابه او تطابق فقط ما يعنينا هو مسار الثورة التونسية في بلد تأكد بما لا يدع مجالا للشك انه لا يشبه إلا نفسه كما علّمنا التاريخ.

إذن مرت السنوات الأربع عشرة سريعا من عمر هذه الثورة والأكيد ان الانتقال السياسي كان صعبا وشائكا قلنا عنه في اكثر من سياق انه ولادة من الخاصرة عرف فيها التونسيون وقائع تشيب لها الولدان لعل من أهمها ظاهرة الإرهاب الذي وجّه ضربات موجعة الينا قبل ان تتمكن القوات المسلحة الأمنية والعسكرية الباسلة من تقليم اظافره. وفي السياق نفسه عرفنا الاغتيالات السياسية بعد سقوط شهيدين من الرموز الحزبية المعروفة وهما شكري بلعيد ومحمد البراهمي وكان ذلك بمثابة الصدمة للتونسيين.

وواجهنا أعاصير وعواصف كثيرة كانت في شكل أحداث جدت في تونس او ارتدادات لوقائع حدثت في منطقتنا العربية او حتى العالم ومررنا بأزمات وتوترات اقتصادية واجتماعية خطيرة.

لكن ما يمكن ان نقوله اليوم بمنتهى الوعي وبمطلق الصراحة ان ما تفاداه التونسيون كان أهم بكثير مما حققوه على أرض الواقع.

فالمخاض العسير كاد في عديد المرات ان يؤدي الى انزلاقات خطيرة نحو الفوضى لكننا لأسباب كثيرة تفادينا وحافظنا على سلمية الثورة التي تمت عكسرتها في أماكن أخرى وشاهدنا المآلات. وانتهجنا سبل الحوارات عندما ضاقت بنا الدروب وجلسنا الى طاولة الحوار وخرجنا بحلول وان كانت لم تفض الى ما تمنيناه لكنها حتما جنّبتنا ما لا يحمد عقباه وتعاقبت حكومات كثيرة وتناسلت تيارات سياسية وأحزاب وجمعيات ووسائل اعلام كثيرة مستفيدة من الحرية التي بلا سقف.

والحصيلة لم نجن الكثير لكننا تفادينا الأسوأ. فالانتقال الصعب خلّف أزمة اقتصادية مركّبة وخلق توترات اجتماعية لا يستهان بها لكننا قطعا تفادينا الأخطر.

واليوم ونحن ندخل سنة جديدة يحق لنا ان نتوقف وان نستلهم العبر مما حدث ومما لم يحدث أيضا ولا ضير من القيام بتأمل المسارات الأخرى وخاصة المصائر الأخرى لنفهم بعمق ما يحتاجه هذا البلد وماهي انتظارات مواطنيه. الذين أدركوا بعد مرور بضعة سنوات انهم ليسوا في حاجة للصراعات السياسية والجدل البيزنطي بقدر حاجتهم الى تحقيق منجز حقيقي على الأرض. واذا كانت السجالات هي السمة الطاغية للمرحلة الأولى من عمر الثورة وكان يمكن تفهم ذلك نظرا لتعطش التونسيين لاستعادة الفضاء العام فإن اليوم الأهم بالنسبة الى عموم التونسيين هو العمل وتحقيق الإقلاع الاقتصادي وتطوير المرافق وتحسين الخدمات والنهوض بتونس لتستعيد صورتها المشرقة التي شابها بعض الغبار جراء الانتقال السياسي الصعب. كما ان اليقظة مطلوبة الآن لحماية أمن بلادنا واستقرارها في ظل ارتفاع منسوب التوتر في اكثر من منطقة في محيطنا الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اهتمام رئاسي بالمرفق العمومي والقطاعات الحيوية : نحو تأصيل مرتكزات الدولة الاجتماعية

تحسين ظروف عيش المواطنين وتمكينهم من حياة كريمة عبر تطوير المرافق العمومية والخدمات من أهم…