المتربّصون في الداخل والخارج كثر.. حذار من التطبيع مع «الحرقة».. !
عادت ظاهرة الهجرة غير النظامية، “الحرقة”، بقوّة هذه الأيام، وبعد خبر نجاة الطفلة البالغة من العمر 11 ربيعا الذي اعتُبر معجزة باعتبار فقدان 44 شخصا كانوا معها ضمن الرحلة من بينهم أفراد عائلتها، تمكنت وحدات الحرس البحري بإقليم الوسط من إنقاذ 27 شخصاً وانتشال جثث 7 أشخاص آخرين إثر تعرّض مركب كانوا على متنه إلى عطب، فيما أعلنت منظمة غير حكومية أنها أبلغت عن وجود حطام 3 قوارب هجرة على طول الطريق بين الساحل التونسي ولامبيدوزا وطلبت من السلطات الإيطالية إجراء عملية بحث واسعة النطاق.
ان هذه الوقائع التي تأتي بالتزامن مع اقتراب نهاية السنة الادارية وانغماس البعض ربما في ضفتي المتوسط في الاحتفالات، علاوة على تسارع الاحداث في منطقة الشرق الاوسط وتركيز القوى الاقليمية والدولية على ما يحصل في الشقيقة سوريا إضافة الى الأوضاع الداخلية يمكن ان تخلق حافزا لـ”العصابات” و”اللوبيات” التي اعتادت تنظيم عمليات الحرقة للعودة الى النشاط بكثافة الأمر الذي يتطلب من الجميع مزيد اليقظة والحذر والجرأة في مواصلة الحرب على هذه الظاهرة التي تنخر مجتمعنا وفق مقاربة شاملة مثلما دعت الى ذلك بلادنا في المؤتمرات الدولية التي انعقدت منذ أكثر من عام في الغرض.
وهنا يحسب لمؤسستينا الأمنية والعسكرية أنهما أبليا البلاء الحسن في مقاومة ظاهرة الهجرة غير النظامية سواء بتفكيك الخلايا المجرمة التي تتولى التخطيط والتمويل والتجنيد والتنفيذ، أو إحباط العمليات قبل وقوعها، أو انقاذ “الضحايا” وإسعاف المصابين وانتشال جثث البعض ممن تهزمهم المياه.
وكما هو معلوم، فالمشاركون في الهجرة غير النظامية، سواء كانوا أصحاب مبادرة واعين بما يفعلون، أو مغرّر بهم، ليسوا تونسيين فحسب فهناك للأسف عشرات وأحيانا مئات الأشقاء من دول جنوب الصحراء الذين لا تجمع بلادنا ببلادهم أي حدود ولولا الجوار لما وصلوا الى شواطئنا والتفكير في الانطلاق منها نحو شواطئ شمال المتوسط.
ان الحكومات في حوض المتوسط وفي القارتين الأوروبية والافريقية بشكل عام وكذلك المنظمات الحكومية وغير الحكومية الوطنية والدولية على بينة مما يحدث على أرضنا ويتحدّث البعض عن “طريق الموت”، وهو طريق بحري يربط بين صفاقس وجزيرة لامبيدوزا الايطالية ويعتبر الأكثر دموية في العالم بعد أن ابتلع هذا العام 2050 مهاجر منهم من تم انتشال جثامينهم ومنهم من مايزال مفقودا إلى اليوم..!
وتتحدث الجهات الرسمية وغير الرسمية عن ارقام مفزعة للأشخاص الذين وصلوا بسلام الى أوروبا انطلاقا من الشواطئ الإيطالية، والذين تم إيقافهم في تونس أو نجدتهم وإنقاذهم عرض البحر ، سواء من قبل حرّاس حدودنا البحرية أو حراس حدود ايطاليا، وهنا ثمّة بعض الروايات التي تتحدث عن قسوة في التعامل مع الضحايا وتغاض عن إنقاذ الغرقى والمصابين والتلكؤ في التدخل في الوقت المناسب من قبل “الطليان”..
ان انتعاشة الهجرة غير النظامية في هذه الفترة ليست بريئة في تقديرنا، وعودة هيمنة الضحايا من جنسيات دول جنوب الصحراء الافريقية يجعلنا نستحضر الابتزاز الذي تعرضت له بلادنا خلال السنوات الماضية من قبل شركائنا في شمال المتوسط ومقايضتهم لنا وربط الدعم والمساعدة والاستثمار بلعب دور الشرطي الذي يحمي حدودهم.
وبالرجوع الى ما تم الاتفاق عليه في التعهدات وفي مذكرات التفاهم والاتفاقيات بيننا وبين الاتحاد الاوروبي على سبيل المثال نسجل بكل وضوح ان تونس أوفت بأغلب ما تعهدت به وطلب منها وأمّنت حدودها حسب امكانياتها وأجهضت مخططات التهجير والهجرة بل واستعادت بعض ابنائها الذين رفضتهم أوروبا، في الوقت الذي كان فيه “البرود” السمة البارزة للسلوك الأوروبي وسلوك المنظمات المعنية بقضايا الهجرة والمهاجرين.
ومن هذا المنطلق، حري بنا ان نكون حذرين ليس في التعاطي مع “الحرقة” فقط ومقاومة الهجرة غير النظامية ضمن مقاربة شاملة أمنية واقتصادية واجتماعية وثقافية ولكن بالقطع مع التطبيع مع هذه الظاهرة فليس من الوجاهة والمصلحة ان نتحدث عن واقعة “حرقة” مثلا وغرق بعض الاشخاص ونجاة بعضهم وإيقاف مشتبه به في التنظيم والتهجير بين الفينة والأخرى، وبمرور الأيام وأحيانا الساعات، يطوي النسيان كل شيء ونظل في انتظار الواقعة القادمة.
ان الحرب على الهجرة غير النظامية حرب مستمرة ودائمة ولا مناص للإعلام من المشاركة فيها بفعالية بالتحسيس ونشر الوعي وعدم الانجرار وراء الروايات الخاطئة وعدم الانزلاق في تمجيد الهجرة وتقديم قصص نجاح المهاجرين لأن في ذلك تحريضا في تقديرنا على خوض التجربة بشتى السبل.
كانت الظاهرة من أبرز العناوين «المثيرة» في 2024 : وتستمر الهجرة غير النظامية بأكثر مأساوية..!
استقبل سكان جزيرة قرقنة من ولاية صفاقس العام الجديد بحادثة أليمة أودت بحياة عشرات الضحايا …