التحدّيات الاقتصادية وسبل مواجهتها..
ثمّة تحولات كبرى جيوسياسية تعصف بالعالم ومن الطبيعي ان تحدث تغييرات مهمة على المستوى الاقتصادي فتتضرر الاقتصاديات الهشة وتتأقلم تلك التي تملك إمكانات التجاوز. ولأننا في تونس معنيون قطعا بكل ما يحدث حولنا فمن الحتمي ان تحتل المسألة الاقتصادية حيزا مهما في تفكير الفاعلين السياسيين وانشغالاتهم اليومية. وهذا يبدو جليّا من خلال متابعة ورصد النشاط السياسي في المشهد التونسي في الفترة الأخيرة، سواء تعلق الامر بنشاط رئيس الجمهورية واهتماماته او بالنسبة الى نشاط رئيس الحكومة واعضائها.
ولعل آخر الأنشطة التي نتوقف عندها هنا هي افتتاح السيد كمال المدوري أيام المؤسسة والموسومة بـ«المؤسسة والتحولات الكبرى : التأقلم والفرص المتاحة».
والحقيقة ان هذا العنوان يشي بالكثير مما يمكن ان نعتمده ونحن نقارب الأوضاع الاقتصادية الشائكة.
فمن المهم اليوم القيام بالمراجعات اللازمة في المجال الاقتصادي من خلال تقييم شامل للاستراتيجيات الاستثمارية والتجارية المعتمدة في بلادنا في ظل التحول البنيوي العميق في المشهد الاقتصادي عالميا.
وكذلك محاولة فهم وتفكيك هذه التغييرات وبناء خطط عمل تتسق مع تداعياتها. وهذا تترتب عنه أيضا إعادة النظر في بعض الشراكات ووضع البعض الآخر تحت مجهر التقييم والتقويم كذلك اذا استوجب الامر.
والأكيد ان تونس مدعوة الى استقراء الواقع الدولي الجديد بتمعّن وتبصّر للاستفادة قدر الإمكان من موقعها الاستراتيجي ومرونتها الاقتصادية ومن علاقاتها الدولية.
وعلى هذا الأساس يمكن بناء سياسات اقتصادية في كل القطاعات والمجالات التي تتميز بالصلابة والمتانة لمواجهة التحديات الصعبة كما يمكن العمل على تنويع الشراكات حتى يتسنى لنا ملاحقة كل الفرص المتاحة دون استثناء. ولا ينبغي قطعا المراهنة على شريك بعينه فقط تحسبا لكل الطوارئ الاقتصادية والسياسية لاسيما وان العالم اليوم يعيش وقائع متلاحقة ومفاجئة بشكل كبير لم تحسب لها الكثير من الدول حسابا.
والايجابي هنا ان تونس مدركة تمام الادراك للتحديات المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا وواعية بضرورة الاستجابة لها بأكبر قدر من المرونة. وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية قيس سعيّد في سياقات عديدة ودعا في اكثر من مقام الى ضرورة بناء نظام انساني جديد قوامه نظام مالي متضامن. خاصة مع ملامح تشكّل مغاير للمجتمع الإنساني في قطيعة مع مقومات النظام الدولي التقليدي. وتجد هذه الدعوة صداها المباشر من خلال تجسدها في السعي الى إيجاد مقاربات اقتصادية جديدة وبناء مناويل تنمية مغايرة لسابقيها.
ومن أبرز مقومات هذه السياسات الجديدة إعادة تأهيل المرفق العام وتحسين جودة خدماته ونجاعة التصرف فيه وتحفيز الاستثمار والعمل على خلق تكامل حقيقي بين القطاعين العام والخاص. وضمان الاندماج بين الجهات مع تكريس قيم العدالة الاجتماعية وتحثيث فرص النمو وضمان التنمية العادلة.
ولأن الشعار المرفوع حاليا في تونس هو التعويل على الذات فإن تطوير القدرات الوطنية والاعتماد على الموارد الذاتية والاجتهاد في تطويرها هو الخيار السيادي والاستراتيجي الذي لا بديل عنه. لكن تكريسه يتطلب عملا جادّا ومضنيا ومتواصلا والمراهنة على اقتصاد يقوم على الخلق والابتكار ونسيج مؤسساتي متنوع يشتغل كرافعة أساسية للنمو.
وفي سياق متصل لا ينبغي ان نفهم المراهنة على التعويل على الذات كنفي مطلق للتعاون مع الآخر. فالأكيد ان تونس تسعى جاهدا الى خلق ديناميكية مهمة في طبيعة علاقاتها بالأصدقاء والأشقاء والاستفادة من كل الفرص المتاحة سواء مع الشركاء التقليديين او مع شركاء جدد مع مراعاة دائما المصلحة العليا لبلادنا ومع تثمين لموقعها الاستراتيجي ومرونتها الاقتصادية وانفتاحها الاجتماعي التي شكلت دوما وعلى مدى الأزمان قيمة مضافة وجعلتها قطبا جاذبا وصورة حضارية مشرقة.
الثورة التونسية بين الأهم والمهم… في ذكرى اندلاعها: مسار صعب..بين يسر وعسر..!
في مثل هذا اليوم من عام 2010 انطلقت الشرارة الأولى لحراك شعبي تونسي سلمي اتفق على تسميته ل…