2024-12-14

عن  المدرسة التونسية و مقاييس المجانية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص..؟

لا أحد ينكر حجم التصدّعات التي تعرفها مؤسساتنا التربوية وكمّ أحداث العنف المسجلة سنويا خاصة في الفترة الأخيرة ناهيك عن عديد التشوهات التي طالت قلاع العلم والمعرفة وجعلت من هذه الأخيرة أرضية هشّة قابلة للتأثر بأبسط المتغيّرات وجعلت  من سكانها  «رجال التعليم والتلاميذ» عرضة لكل المخاطر على اختلاف مصادرها…

هذه الوضعية غير المريحة دفعت عددا كبيرا من الأولياء إلى هجرها بسهولة والتوجه نحو مدارس القطاع الخاص الدولية،  فالعروض البديلة متوفرة في حين لا يوجد خيار آخر  للأغلبية المتبقية.

ينقسم الأولياء بدورهم إلى شقين بين من يمكنه الالتحاق «بمنظومة الدروس الخصوصية» لتدارك النقص وبين عاجز عن مجابهة مصاريف الدروس الخصوصية  وهنا تكتمل الصورة وتتضح وتوضع نقطة النهاية المعبّرة عن كواليس التعليم العمومي… وبالتالي فنحن أمام  حقيقة ثابتة يشي بها واقع التعليم  وهي غياب مبدإ تكافؤ الفرص  والعدالة الاجتماعية.

يقول في هذا السياق رضا الزهروني رئيس الجمعية التونسية للأولياء والتلاميذ أن  لا غرابة اليوم لما نقف على تنوع عروض التّدريس في واقع مهتز لمنظومتنا التربوية وخاصة مدرستنا العمومية لتشمل كل مراحل التعليم وتختلف من حيث النوعية والكلفة وتأخذ بعين الاعتبار القدرة الشرائية لمختلف فئات المجتمع التونسي من العائلات المعوزة إلى العائلات الأكثر ثراء. فتتعدد ومضات الإشهار في وسائل الإعلام وبوسائل التواصل الاجتماعي وتتواتر لوحات الإشهار على مشارف الطرقات وتتكاثر جميعها  على مدار السنة وهي موجهة بالأساس إلى الأولياء لاختيار الأنسب منها لتأمين المسار الدراسي لأبنائهم وبناتهم.

مدارس ومعاهد دولية تعتمد نفس الأنظمة التعليمية للبلدان التي تنتمي إليها كالمدارس الفرنسية أو الكندية أو الأنقليزية ومؤسسات تربوية وطنية خاصة وهي مدارس تحضيرية وابتدائية ومدارس إعدادية ومعاهد ثانوية ومؤسسات تعليم عال وبمستويات جودة وخدمات مختلفة وتختلف معها بالضرورة كلفة التدريس من مؤسسة إلى أخرى بالإضافة إلى تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية والتي يمكن اعتبارها أيضا تعليما خاصا غير قانوني. ثمّ تأتي المؤسسات العمومية المجانية والتي تعود بالنظر الى وزارة التربية على غرار المدارس الّدولية والتي تم إحداثها منذ سنوات بغاية استقبال فئات معينة من أبنائنا وبناتنا وبنظام تدريس خاص بها ومؤسسات التدريس النموذجية -المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية- والتي تستقبل التلاميذ الذين يجتازون بنجاح المناظرات التي يتم تنظيمها في نهاية كلّ سنة إن توفرت فيهم الشروط التي تمّ وضعها للغرض وهي تضمن نسب نجاح متميزة جدا تضاهي النسب العالمية والمدارس العمومية العادية والتي تستقبل عامة أبناء الشعب وبناته من دون شروط مسبقة والتعليم بها إجباري حتى سن 16 سنة.

ومن الطبيعي جدّا أن الأولياء يختارون من هذه العروض بالرجوع إلى إمكانياتهم المالية ومتطلبات راحتهم المعنوية ومدى استجابة الأبناء للشروط المحددة من عدمها وتبقى المدرسة العمومية العادية والمجانية مهيأة لاستقبال كل أطفال الوطن بغض النظر عن وضعيات العائلات الاجتماعية والاقتصادية. وهي مدرسة اتفقت كل الدراسات والتقارير والمواقف على أنّ أداءها كارثي بما تحمله الكلمة من معان ويبقى أمل النجاح فيها لمن لهم إمكانيات للاستثمار المتواصل في الدروس الخصوصية وحُلما لمن تعوزه هذه الإمكانيات والاستثناءات تبقى لتأكيد القاعدة لا لنفيها.

وان اعتبرنا أنّ كل مواطن تونسي له الحق في اختيار المسار الدّراسي الذي يراه الأفضل لابنه أو ابنته حسب إمكانياته وحسب ما تسمح به الشروط المعتمدة ونحيي الأولياء الذي يعتبرون النجاح في التربية اهم من المال، فإنّ اللجوء المتنامي الى التعليم الخاص ليصل اليوم بطاقة استيعابه إلى أكثر من 10 بالمائة من تلاميذنا واللجوء الى الدروس الخصوصية ليصل رقم معاملاتها ما بين 1.5 و3 مليار دينار هو نتيجة حتمية لما وصلت إليه المنظومة التربوية الوطنية من مستويات متدنية ولا يمكن اعتباره سببا في انهيارها. ومن الضروري الإقرار بان هذا الواقع التربوي إقصائي بامتياز بين فئات المجتمع وجهات البلاد وغير مقبول تماما من النواحي الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية والسياسية.

فمن الضروري إدراك كل المعنيين بالشأن التربوي تدهور نسب نجاح منظومتنا التربوية مقارنة بحجم الاستثمارات العامة والخاصة التي يتحملها المجتمع مقابل ارتفاع نسب فشلها من خلال ما نقف عليه من حجم كارثي في مستوى الانقطاع المبكر عن الدراسة والذي يتجاوز معدله حوالي 100 ألف تلميذ وتلميذة كل سنة. وبالتالي فعلى الساهرين على القطاع أن يعوا خطورة واقع المدرسة العمومية والتي لم تعد مجانية ولا ضامنة للعدالة الاجتماعية ولا قادرة على ان تكون المصعد الاجتماعي والذي دائما ما كنّا نفتخر به وأن يعملوا على وضع حد لهذا الوضع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في ذكرى 17 ديسمبر2024: التشغيل والعدالة الاجتماعية أبرز عناوينها..؟

يمثل الاحتفال بذكرى 17 ديسمبر 2024 مناسبة لتشخيص الواقع الاقتصادي والاجتماعي ومدى تطبيق ال…