الملف البيئي في صدارة اهتمامات رئيس الجمهورية
من أجل مصالحة مواطنية مع الفضاء العام..! يعدّ ملف النفايات من بين المسائل الكبرى التي تحظى باهتمام بلادنا كسائر الدول الأخرى النامية أو في طريق النمو أو حتى المتقدمة لما تمثله من خطورة على البيئة وصحة الإنسان،وتسعى بلادنا وبحرص من أعلى هرم السلطة على إيجاد حلول لهذا الملف الشائك والحسّاس لما له من تداعيات وخيمة ومتعددة لذلك تتجه الدولة حاليا إلى التسريع في إعداد استراتيجية شاملة لحماية صحة المواطن وتثمين النفايات والاستثمار في هذا المجال للحفاظ على البيئة وخلق فرص وآفاق جديدة للتشغيل والتصدي في الآن ذاته إلى التلوث وحماية البيئة والمحيط.
ويندرج في هذا الإطار تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد أمس الأوّل بقصر قرطاج، خلال لقائه وزير البيئة حبيب عبيد على ضرورة التنسيق مع كل أجهزة الدولة لوضع حدّ للتردي البيئي الذي لم يعد مقبولا نتيجة خاصة للإلقاء العشوائي للفضلات وإلقاء الأتربة وفضلات البناء والحدائق وغيرها من المخالفات.
كما ذهب رئيس الدولة الى التأكيد أيضا على أن «.. الأمر لا يُمكن أن يُعالج بالقانون فحسب بل أيضا بالمصالحة بين المواطن والفضاء العام» مذكّرا في هذا السياق بـ«ما قام به الشعب التونسي بكل مكوناته عقب ثورة 17 ديسمبر 2010 وإثر الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، من رفع الفضلات والتصدّي لكل أنواع المخالفات لأنه استشعر في تلك الأيّام بأنه صار مالكا على الشياع للفضاء العام فبادر بحملات تنظيف شارك فيها حتى الأطفال داخل الأحياء التي يقطنونها وفي مؤسساتهم التربوية ولكن قوى الردة وعديد الأبواق تحرّكت لتجهض هذه المصالحة التاريخية بين المواطن والمحيط».
كما أشار رئيس الدولة، في السياق ذاته «إلى أن المؤسسات المعنية بالبيئة تعدّدت ورُصِدَت لها ملايين الدينارات ولكن لم تُحقّق الأهداف التي أنشئت من أجلها» مشددا على ان «الحكمة ليست في تعدّد المؤسسات بل في نجاعتها، ودون ذلك يصير العمل دون نجاعة ودون أثر فعلي ملموس في الواقع إهدارا للمال العام».
ولعل تطرق رئيس الدولة مجددا إلى الوضع البيئي في عدد من مناطق الجمهورية كصفاقس وقابس وقفصة وتأكيده على ضرورة وضع استراتيجية واضحة لإنقاذها لا حفاظا على البيئة فحسب ولكن حفاظا على صحة المواطنين كذلك. وضرورة المضي قدما في استراتيجية استخراج الطاقة من النفايات وهي أحد الحلول الناجعة للتخلص منها وتخفيف التلوث البيئي.
وكما هو معلوم فقد سبق وأن أعدّت وزارة البيئة بالتنسيق مع الأطراف المعنية مشروع أمر متعلق بالفرز الانتقائي للفضلات ومشروع الأمر قائم على إجبارية الفرز الانتقائي على كلّ المهنيين في بعض القطاعات.
ويعتبر هذا التمشّي خطوة إلى الأمام بهدف التقليص من نسب النفايات خاصة منها العضوية التي ستتجه في مرحلة الرسكلة والتثمين وإعادة الاستغلال كسماد أو كمواد عضوية أولية في ميادين عديدة إلى جانب النفايات الجافة كالبلاستيك والبلور والمعادن التي تسهل من خلال الفرز الانتقائي إعادة تدويرها في منظومات انتاج جديدة من خلال الاقتصاد الدائري.
ونرى أن الاقتصاد الدائري من شأنه أيضا بالتوازي مع حماية البيئة والمحيط والحفاظ على صحة الإنسان أن يخلق فرص عمل باعتبار أن النفايات تشكّل مادة أولية للاستثمار من خلال تثمينها من قبل الشركات على غرار النفايات المنزلية التي تمثل فيها المواد العضوية ما بين 60 إلى ٪80 والتي بدورها تشكل ثروة هامة يمكن تحويلها إلى أسمدة عضوية.
ومن بين الأهداف الأخرى للفرز الانتقائي حفظ المصادر الطبيعية وتقليص كمية النفايات وتخفيف الضغط على مصبات النفايات وتشجيع المواطن على الحفاظ على البيئة ونشر الوعي البيئي بين أفراد المجتمع في فرز النفايات وفتح قنوات جديدة للاستثمار وانتاج مواد مرسكلة معاد تدويرها للتقليص من نسب استيرادها من الخارج.
وتعمل وزارة البيئة من جهتها على تطوير القوانين ذات العلاقة بتطوير منظومة الاقتصاد الدائري لإيجاد حلول عملية وناجعة لحماية البيئة والانسان والتصدي للصعوبات التي تعترض بلادنا في تنفيذ برنامج التصرف في النفايات وفق المعايير الدولية، حيث هناك توجه حاليا الى إحداث وحدات الرسكلة وتثمين النفايات بكامل ولايات الجمهورية وهو مشروع في طور الإعداد وفي حال الانتهاء من الدراسات سيتم الانطلاق في تنفيذه.
ونعتقد أنه من خلال اعتماد بلادنا على هذه الرؤية الجديدة للتصرف في النفايات ووضع استراتيجية واضحة لإنقاذ المدن التي تشكو من ارتفاع نسبة التلوث وكميات النفايات حفاظا على البيئة وعلى صحة المواطنين ستتمكن بلادنا من تحقيق الأهداف المرسومة في هذا الملف الذي يؤرق الجميع سلطة وشعبا في علاقة بحماية البيئة والإنسان على حد سواء واستغلال ملف النفايات إيجابيا من خلال الاستثمار في هذا المجال وخلق فرص شغل إضافية للشباب، لكن يبقى ذلك رهين مدى تطبيق هذه الإستراتيجية من كافة المسؤولين في المركز والجهات والتوقيت وبرنامج التنفيذ ومدى وعي المواطن بالحفاظ على البيئة وتعزيز ثقافته في هذا المجال لأن يصبح الإنسان صديقا للبيئة وتحقيق المصالحة الدائمة بين المواطن التونسي ومحيطه.
إحياء الذكرى 14 لعيد الثورة في كافة أنحاء الجمهورية : استحضار الذكرى من أجل رهانات المرحلة..
أحيت تونس أمس الثلاثاء 17 ديسمبر 2024 الذكرى الـ14 لاندلاع الثورة التونسية التي انطلقت شرا…