اعتمدت تونس طوال تاريخها على ما يمكن أن نسمّيه الديبلوماسية الهادئة بعيدا عن الصخب والاستعراض واقحام الذات في شؤون الآخرين وعدم القبول بمن يتدخل في أمرها وحافظت على ما وسم بالحياد الإيجابي.وبذلك اكتسبت ثقة الاشقاء والأصدقاء وكان لوجودها في منظمة عدم الانحياز الأثر البالغ في تشبيك علاقات متينة وطيبة مع الجميع. ولأن هناك مياه كثيرة جرت تحت الجسر وشهد العالم تحولات مذهلة ومتسارعة بشكل يعجز الفرد على استيعابها فمن الطبيعي ان يكون للديبلوماسية التونسية دور مهم اليوم وربما أكثر من أي يوم مضى في نسج علاقات جديدة وخلق ديناميكية على مستوى البعثات حتى تكون قادرة على الاستشراف والتوقع وفهم طبيعة الحقل الذي تعمل فيه والتوازنات الموجودة في مجال عملها والتحلي بقدر عال من التريث والتثبت قبل اصدار المواقف التي تحسب على تونس. وفي هذا الصدد يمكننا تفهم تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيّد على دور الديبلوماسية التونسية في هذه الفترة بناء على الثوابت التي تأسست عليها. وذلك لدى لقائه في قصر قرطاج بالسيد محمد علي النفطي وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. وكان هذا الاجتماع مناسبة للتشديد من قبل رئيس الدولة على ضرورة ان تكون الديبلوماسية التونسية مستشرفة لكل الأوضاع التي يمكن ان تستجد للذود عن مصالح بلادنا. وهذا في ظل التطورات المتسارعة وغير المسبوقة التي يعيشها العالم. ولم يفوّت الرئيس قيس سعيّد الفرصة للتأكيد على ضرورة مضاعفة البعثات الديبلوماسية والقنصلية لجهودها من أجل مزيد الإحاطة بالتونسيين بالخارج واسداء الخدمات لهم في أحسن الظروف وأقصر الآجال. ويأتي التطرق الى موضوع دور البعثات الديبلوماسية والقنصلية والتشديد على المهمات الموكولة لها في اطار العمل على خلق ديناميكية جديدة في السلك الديبلوماسي تتسق مع هذه التحولات المتلاحقة وفائقة السرعة وفي ظل توترات غير مسبوقة ويتطلب التعاطي معها قدرا عاليا من الحكمة حتى لا يقع الإضرار بمصالح بلادنا وصورتها. ومعلوم ان الديبلوماسية التونسية عرفت مثل غيرها من أجهزة الدولة التونسية ارتباكا عقب 14 جانفي 2011 وخضعت معايير التعيين فيها الى المحاصصة والولاءات وهو ما أضعف كثيرا أداءها في الكثير من المواقف ولم تظهر الجاهزية والحنكة اللازمتين في بعض الأحداث. واقتصر دور اغلبها على تسيير أمور روتينية فحسب وهو ما جعلها مرمى نيران النقد وحتى التذمر من قبل عديد التونسيين المقيمين بالخارج. وهنا من الإنصاف الإقرار بأن ديناميكية خاصة حدثت في السنوات القليلة الماضية في المجال الديبلوماسي التونسي وفي محاولات نسج علاقات على ضوء التحولات الجديدة ورغم ثقل التركة إلا ان الديبلوماسية التونسية اجتهدت في الحفاظ على الثوابت والعمل على تطويرها لتتناغم مع الآني الفائر. لكن هذا لا ينفي أيضا الإقرار بأن بعثاتنا الديبلوماسية والقنصلية تحتاج الى تطوير قدراتها ومهاراتها في مجال الاستشراف والتوقّع خاصة في المناطق الساخنة حيث تتغير الأحداث من النقيض الى النقيض في لمح البصر ويجب على الديبلوماسي المحنّك ان يكون على اطلاع ودراية بما يحدث على الأرض حتى لا يكون خارج السياق . نقول هذا وعيننا على تلاحق الأحداث في عالمنا العربي وبالتحديد منطقة بلاد الشام سواء سوريا التي عاشت تحولا سريعا وبشكل دراماتيكي في الأيام الأخيرة او لبنان الذي يقع على صفيح ساخن وبالتأكيد حرب الإبادة التي يتعرض لها اشقاؤنا في فلسطين المحتلة. والأكيد ان على الديبلوماسية التونسية ان تحافظ على ثوابتها في هذا الخضم وان تتحلى بعثاتنا سواء في هذه المناطق او غيرها بقدر كبير من الحنكة والذكاء في التعامل مع ما يحدث هناك والامر ذاته ينطبق على باقي البعثات المنتشرة في كل الدول وذلك لفهم مجريات الاحداث وتفكيك شيفراتها بغية اتخاذ الموقف اللازم والمدروس والمتسق مع الحدث بلازيادة او نقصان. وهنا علينا الإقرار بأن ما حدث في سوريا قد فاجأ بعثتنا على ما يبدو باعتبار أنها لم تستشرف بدقة الأحداث المتسارعة سواء التفكك السريع للجيش السوري أوتبعاته المتمثلة في سقوط النظام بتلك السرعة. وهو ما قامت به على العكس منا بعثات أخرى فهمت اكثر الميدان وكانت أقدر على التوقع. ولهذا فلابد من استخلاص الدرس والعبرة مما حدث والاستفادة منه في تغيير طرائق العمل الديبلوماسي في عالم اليوم وفي اقليمنا المشتعل بالتحديد حيث الأوضاع مفتوحة على احتمالات قصوى لا أحد يمكنه ان يتنبأ بتداعياتها.
التونسيون في انتظار تحقيق أحلامهم وإشباع انتظاراتهم : بعد حصاد مرّ للثورة لنمض إلى الإنجاز..
لا نستطيع إنكار أن مرور ذكرى الثورة كان محتشما او لنقل اعتياديا او غير لافت ودونما بالغ اح…