مرّة أخرى الرئيس يتوقف عند « التخريب الممنهج» لقطاع النقل.. نحو مقاربة جديدة لإعادة بناء منظومة منهكة..!
يواجه قطاع النقل في تونس، منذ سنوات، تحديات متزايدة ألقت بظلالها على حياة المواطن اليومية وأثرت سلباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ويأتي تصريح رئيس الجمهورية قيس سعيّد، خلال لقائه الأخير مع رئيس الحكومة كمال المدوري، كإشارة واضحة إلى إدراك القيادة السياسية خطورة الوضع وإصرارها على معالجته.
إصلاح قطاع النقل في تونس لن يقتصر على توريد حافلات أو عربات مترو جديدة، بل يتطلب رؤية استراتيجية شاملة لإعادة بناء منظومة منهكة بسبب سياسات تراكمت عبر العقود الماضية. حيث يعد قطاع النقل شرياناً حيوياً للاقتصاد التونسي، إذ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحركة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. لكن هذا القطاع يعاني من مشاكل هيكلية على عدة مستويات منها تهالك الأسطول،فالحافلات وعربات المترو الحالية تعاني من تقادم عمرها التشغيلي وضعف الصيانة. الأمر الذي أدى إلى تراجع كفاءة الخدمات، وتأخر المواعيد، وزيادة شكاوى المواطنين.
كما تعاني البنية التحتية من محطات النقل وشبكات الطرق من نقص الصيانة والتطوير، مما يعرقل انسيابية حركة النقل ويزيد من الحوادث هذا إلى جانب الإدارة الضعيفة والتمويل المحدود حيث أن ضعف الحوكمة في الشركات الوطنية والجهوية للنقل وعدم وجود رؤية واضحة للتخطيط الطويل الأمد، بالإضافة إلى محدودية الميزانيات المخصصة، جعل القطاع غير قادر على تلبية متطلبات العصر.
رئيس الجمهورية قيس سعيد أشار بالمناسبة إلى «تخريب ممنهج» طال القطاع، ويشمل هذا السلوكيات غير المسؤولة مثل السرقات والإتلاف، فضلاً عن الفساد المالي والإداري الذي استنزف موارد الشركات العمومية. ومن هنا نقف على واقع غابت فيه رؤية استراتيجية لخطط الإصلاح السابقة التي لم تأخذ بعين الاعتبار التطور السكاني أو النموالحضري المتسارع، ما جعل القطاع غير قادر على مواكبة الاحتياجات.
كما أن الأزمة الاقتصادية العامة التي شهدتها البلاد أدت إلى تراجع الاقتصاد الوطني وتقلص الاستثمارات في البنية التحتية والنقل، ما أثر على تجديد الأسطول وتحسين الخدمات. علاوة على أن قطاع النقل في بلادنا يعاني أيضاً من غياب ثقافة المحافظة على الممتلكات العامة سواء من قبل العاملين أو المواطنين، مما ساهم في تفاقم عمليات التخريب والإهمال.
خطوات عاجلة للإصلاح
إصلاح قطاع النقل يتطلب حلولاً قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تتماشى مع التوجهات الوطنية وتراعي حقوق المواطنين. ولعل من بين الخطوات العاجلة التي يمكن اتخاذها، توريد حافلات وعربات مترو جديدة حيث يأتي توريد الحافلات وعربات المترو كحل ضروري للتخفيف من الضغط على الشبكات الحالية. لكن هذا الإجراء يجب أن يكون مدعوماً بخطة صيانة مستدامة للحفاظ على الاستثمارات الجديدة إلى جانب الشروع في صيانة الطرق والمحطات والشبكات الحديدية لضمان استدامة عمليات النقل.
كما يتطلب الأمر تعزيز الأمن ومكافحة التخريب، إذ يمكن القيام بحملات توعية واسعة لتحسين وعي المواطنين بأهمية حماية الممتلكات العامة، بالإضافة إلى تشديد الرقابة الأمنية في المحطات وعلى متن وسائل النقل. وفي نفس التوجه فإن إدارة الأزمات بشكل فعّال في هذا القطاع الحيوي تتطلب من سلطة الإشراف والمؤسسات الراجعة بالنظر لسلطتها ، وضع خطط استباقية لإدارة الأزمات التي قد تؤثر على النقل بشكل عام .
نحو رؤية استراتيجية بعيدة المدى
ومن خلال متابعتنا لواقع ومشاغل هذا القطاع منذ سنوات، فإنه بإمكاننا القول أن معالجة المشاكل الهيكلية في قطاع النقل تتطلب مقاربة جديدة تتضمن أولا وبالأساس اعتماد الرقمنة حيث يمكن لتقنيات الرقمنة أن تحدث ثورة في مجال النقل من خلال تحسين نظم التذاكر، تتبع الحافلات، وإدارة الموارد بشكل أكثر كفاءة علاوة على الاستثمار في النقل المستدام من حيث تشجيع استخدام الحافلات الكهربائية أو التي تعمل بالطاقة النظيفة ما يمكن أن يقلل من التكلفة البيئية والاقتصادية.
نقطة أخرى مهمة في هذا السياق وتتمثل في تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص حيث تسهم الشراكات بين الدولة والمستثمرين المحليين والدوليين في تسريع عملية إصلاح القطاع وضمان استدامة التمويل وكذلك تقديم التسهيلات الضرورية للخواص في الاستثمار في هذا القطاع وخفض الضرائب وغيرها من التشجيعات وهي تجربة أثبتت نجاعتها في تونس الكبرى من خلال ما تقوم به بعض شركات النقل الخاص «حافلات» والتي ساهمت في الحد من اشكاليات النقل سيما بالمدن المجاورة للعاصمة على غرار المرسى والمنارات والمنازه.
الزيارات الميدانية لوزير النقل: خطوة في الاتجاه الصحيح
لا يفوتنا في هذا الصدد أن نشير إلى أهمية الزيارات الميدانية والمكثفة لوزير النقل رشيد عامري والتي أداها الى عدد من الولايات ومعاينته المباشرة لأوضاع شركات النقل الجهوية وهي تعكس نية الدولة في الاقتراب أكثر من المشاكل الحقيقية للمواطن. ورغم أن هذه الزيارات تعد خطوة إيجابية، إلا أن التحدي يكمن في ترجمة هذه المعاينات إلى قرارات فعلية على أرض الواقع.
إن إصلاح قطاع النقل في تونس ليس خياراً بل ضرورة وطنية. فتطوير هذا القطاع لا يقتصر على تحسين حياة المواطن اليومية، بل يمتد ليكون رافعة للنمو الاقتصادي والاجتماعي. ومع ذلك، فإن النجاح في هذا المسعى يتطلب تناغم الإرادة السياسية القوية مع الإدارة الفعالة، والشراكة المجتمعية الحقيقية.
المؤتمر الوطني 11 لطب الشغل : منصة لتبادل الخبرات وتعزيز صحة العمال
تُنظم الجمعية التونسية لطب الشغل المؤتمر الوطني 11 لطب الشغل في الحمامات يومي 13 و14 ديسمب…