بعيدا عن كل أشكال الاصطفاف الاعمى مع أو ضد بشار، علينا ان ننظر الى السقوط السريع والمفاجئ لنظام الاسد من عين الابرة التي انغرست في ظهر الامّة منذ 7 أكتوبر 2023 تاريخ اطلاق عملية طوفان الاقصى الى غاية سقوط نظام الاسد يوم الأحد 8 ديسمبر 2024 وما بينهما من وقائع وجرائم واغتيالات وأحداث ملتبسة بالتوازي مع حرب إبادة كانت بمثابة الطريق السريعة التي ستحملنا في الاخير الى هذه النهايات أو هذه البدايات التي نحن بصددها..
من 7 أكتوبر 2023 الى 8 ديسمبر 2024 «فيلم» عالي الدقة بتقنية ثلاثية الابعاد وسيناريو لا يخطر على بال عنوانه الكبير تفكيك منطقة الشرق الاوسط واعادة بنائها بما يؤهل الكيان الصهيوني ليكون «الدولة العظمى» في المنطقة ولا يضاهى من حيث التفوق العسكري الى جانب «دويلات» مطبّعة بالكامل «منزوعة السلاح» ما عدا بعض العتاد قصير المدى لمقاومة انتفاضات شعوبها في الداخل ان هي غضبت مع استكمال مسار التطبيع في المنطقة والذي كان توقف أياما قبل اطلاق طوفان الأقصى..
7 أكتوبر 2023 أطلقت حركة حماس عملية اختراق كبرى بري وبحري وجوي وتسلّلت المقاومة الى مستوطنات غلاف غزة عبر السياج الحدودي وتم استهداف مواقع عسكرية وأسفرت العملية عن مقتل عدد كبير من الصهاينة اضافة الى أسر العشرات لدى حركة حماس حدث هذا وسط ذهول العالم من هذا الاختراق غير المسبوق للأجهزة الامنية والعسكرية والاستخباراتية الصهيونية والتي قدّمها لنا «اعلام الحرب» على أنها كانت في غيبوبة زمن الاختراق الذي حققته حماس وبامكانيات بدائية…!
وثمّة سؤال لم يطرح في تلك الفترة من حماسة الرأي العام العربي والاسلامي… هل كانت حماس على هذه الدرجة من القوّة حتى تخترق السماء الاستخباراتية الصهيونية الامريكية بهذه السهولة وان تمر كمرور خيط من عين الابرة…؟
سؤال تم تعويمه وغفل عنه الغافلون حيث تلهى الجميع بردّة الفعل الصهيونية والتي أطلقت ـ بدورها ـ حرب ابادة ضدّ السكان الاصليين في غزة ودمرتها بالكامل بشرا وحجرا استمرت على امتداد أكثر من عام انجرّ فيها حزب الله وخاض حرب مشاغلة ـ كما تسمى عسكريا ـ على طول الحدود اللبنانية الجنوبية ثم توسعت الحرب داخل لبنان ولتطلق دولة الاحتلال بعد ذلك عملية اغتيالات استهدفت أولا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية وقد اغتالته في طهران وداخل أكثر المربعات اقفالا وحراسة… ثم تم اغتيال الامين العام لحزب الله حسن نصر الله بالضاحية الجنوبية لبيروت في المربّع الأكثر حصانة للرجل مع قادة بارزين من الحزب ثم ضربة في مقتل حركة حماس وذلك باغتيال القائد العسكري الميداني يحيى السنوار وقبل ذلك «سقطت» طائرة الرئيس الايراني الأكثر تشددا تجاه الكيان الصهيوني والأكثر دعما للمقاومة ولنظام بشار الأسد ابراهيم رئيسي في ظروف ملتبسة وغامضة مع تكتم إيراني على الحادثة واخترق الجيش الصهيوني أجهزة اللاسلكي لدى مقاتلي حزب الله وفجرها في وجوههم ولم تتوقف دولة الاحتلال على امتداد هذا التاريخ الفاصل بين 7 أكتوبر 2023 و8 ديسمبر 2024 من استهداف مخازن الذخيرة الايرانية في سوريا توجتها بضربة موجعة لمقر القنصلية الايرانية في دمشق أودت بحياة قيادات بارزة من الحرس الثوري ومع ذلك كانت ردة الفعل الايرانية باردة ولم تكن في حجم الضربات المتتالية التي استهدفت «سيادة أراضيها وأمنها»…
لقد عملت دولة الاحتلال منذ أطلقت حربها ضدّ المقاومة المسلحة في غزّة على تدمير المنطقة وإفراغها من كل عناصر قوتها أوّلها القضاء على حماس قواعد وقيادات وتشريدها فمن لم يمت غادر ثم إضعاف حزب الله وتدمير كل قوّته وانهاك معنوياته وذلك باغتيال أمينه العام حسن نصرالله ثم انهاك ايران واضعافها وردعها بضربات متتالية سواء داخل أراضيها أو في مقراتها الديبلوماسية والعسكرية في سوريا مع تحييد لبنان المتعب بطبيعته وغير المؤهل موضوعيا لمواجهة الاحتلال خاصة بعدما تم افراغ «حزب الله وانهاكه»..
بعد كل هذا التدمير وبعد افراغ المنطقة من عناصر قوّتها لم يتبق غير نظام بشار الأسد الذي استمر في لعب دور «الجسر» الذي تستعمله ايران لتمرير السلاح الى المقاومة وبالتالي فإن تدمير هذا الجسر يعني تجفيف المنابع التي يمرّ عبرها السلاح… وبما أن الطريق سالكة وبما ان الحليف الأكبر لنظام بشار مورط في المستنقع الاوكراني ونقصد هنا «روسيا بوتين» وبما ان الحليف الثاني ـ أي ايران ـ لم يعد قادرا حتى على الدفاع عن نفسه فقد اختارت دولة الاحتلال باسناد تركي أمريكي التوقيت المناسب لتحريك ما يسمّى خطأ «بالمعارضة السورية» وهي في الواقع كما أشرنا في مقال سابق جماعات ارهابية خارجة من تحت جبّة القاعدة ومن رحمها تتحرك بتعليمات مباشرة من تركيا المتواطئة مع الكيان الصهيوني…
وقد وجدت هذه الجماعات الأراضي السورية مهيأة لاستقبالها وللالتفاف من حولها شعبيا باعتبار حالة الاختناق التي يعاني منها الشعب السوري وقوّة اليد الحديدية لنظام بشار تجاه مواطنيه واغلاقه كل منافذ الحوار مع خصومه السياسيين زائد أزمة اقتصادية ومالية ومجتمعية خانقة وحالة من الفقر المدقع وسوء اداء النظام الذي دفع بالآلاف من السوريين لمغادرة البلد لذلك لم يجد نظام بشار قبل سقوطه من يدافع عنه بما في ذلك قيادات الجيش العربي السوري التي اختارت التراجع أمام زحف «الجماعات الارهابية» لتسهيل سقوط بشار الأسد والذي كان أجرى تفاهمات قبل هذا السقوط حتى يغادر دون ضجيج ودون دماء وهو السيناريو الذي تمّت تهيئته في زيارته قبل أسابيع من سقوطه الى روسيا ـ بوتين والتي تلقت ـ وعدا أمريكيا ـ بدورها من الساكن القادم للبيت الأبيض الرئيس المنتخب ترامب لتجفيف منابع الدعم العسكري الاوروبي ـ الامريكي الموجه لأوكرانيا وهذه حكاية أخرى أو صفقة أخرى دشن بها «ترامب» عهدته قبل ان تبدأ…
ليست «معارضة سورية» ..بل «جماعات إرهابيّة مسلّحة»..!
سقطت التلفزات الوطنية للاسف بما في ذلك المحامل الاذاعية والالكترونية في «الفخاخ الاعلامية»…