بات يعصف بثوابت القيم والأخلاق : أيّ حدود.. وأيّ حلول.. لظاهرة التنمّر؟
كغيره من الظواهر الهدامة التي باتت تنخر المجتمع أصبح التنمر يتفاقم بشكل ملفت للنظر وينتشر في كل مكان سواء كان ذلك في المنزل أو في أماكن العمل أو في المحيط الجامعي والمدرسي وباعتباره أحد أشكال العنف الذي يمارسه شخص أو مجموعة من الاشخاص ضد شخص آخر عبر إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة أصبحت هذه الظاهرة التي تمس من القيم والاخلاق في حاجة إلى البحث والتشخيص من أجل إيجاد حلول جذرية لمعالجتها وبرامج فعالة للحد منها حتى يعيش الجميع في سلام وطمأنينة لاسيما بعد أن أذت الكثير من ضحاياها وأدت بهم الى الهلاك.
واكدت في الصدد السيدة هدى مهني الناشطة في مجال حماية الطفولة وعضو المنظمة الوطنية للطفولة التونسية في حديث لها لـ«الصحافة اليوم» علىضرورة تضامن جميع الأطراف من أجل توفير بيئة سليمة في المحيط المدرسي الذي بات يشهد تفاقما مفزعا للعديد من الظواهر ومن أهمها انتشار المخدرات والعنف بمختلف أشكاله ولا سيما التنمر الذي استفحل بشكل مفزع متوجهة بنداء من أجل تدعيم العمل التشاركي وإحكام التنسيق وتوحيد الجهود وفتح الفضاء المدرسي امام الأنشطة التثقيفية والتربوية والترفيهية كجزء من الحلول للتصدي لهذه الظاهرة. وبينت السيدة مهني بأن السبب الرئيسي في تفاقم سلوكيات التنمر هو تواصلي بالأساس وفي علاقة بالسلوكيات داخل الأسرة التي لم تعد تهتم بالحوار كأسلوب للتواصل ولتعزيز العلاقات بين مختلف افرادها وكسب الثقة بالنفس موضحة بأن الحوار يكاد يكون مغيبا داخل الأسرة والأبوين لا يخصصان وقتا للاجتماع والحديث وكل ذلك نتيجة تراكم الضغوطات الاجتماعية والمعيشية والنفسية التي اصبحت تسقط على الطفل فلم يعد يجد في الأسرة ذلك الفضاء الآمن الذي يمارس فيه حقه في التخاطب والمحاورة وطرح المشكلات وحلها كفرد له كيانه وشخصيته داخل الأسرة لذاك تؤكد محدثتنا على ضرورة الفصل بين العمل والحياة العائلية وما بين المحيط الخارجي والمحيط الأسري و عدم ترحيل المشاكل المهنية إلى البيت لأن تداعياتها ستكون سلبية على الاستقرار الاسري وعلى سلوكيات الأطفال. واعتماد التواصل الفعال والإيجابي داخل العائلة الأمر الذي يجعل الطفل قادرا على تطوير قدرات نفسية تتميز بالمرونة التي تخوّل له تقبّل وتجاوز صعوبات الحياة بما ذلك التعرض الى حوادث التنمر والعنف.
يأخذ التنمر وفق المختصين في علم النفس أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة المُتنمَّر عليه بدنيًا أولفظيًا لتقزيمه معنويا والتقليل من مكانته ويعرَّف المختصون في علم النفس التنمر على أنّه سلوك عدواني وغير مرغوب فيه، يمارسه بعض الأشخاص ضد آخرين أضعف منهم للسيطرة عليهم وإيذائهم، وهو ناتج عن اختلال في توازن القوى لديهم، من خلال وجود تصوّر لدى المتنّمر بأنّه أقوى من الأشخاص الضحايا، ويصبح ذلك السلوك العدواني تنمّرا في حال تمّ تكراره عدّة مرات على الشخص نفسه وللتنمّر عدّة أشكال وهي التنمّر الجسدي، والتنمّر اللفظي، والتنمّر الاجتماعي، والتنمّر الإلكتروني. مؤكدين بان التنمر الاجتماعي يضر بالعلاقات الاجتماعية للشخص المتعرض له، من خلال استخدام وسائل مختلفة ومتعدّدة، لذا يطلق عليه أيضاً مسمّيات أخرى كالعدوان العلائقي أو التنمّر العلائقي، ويمكن أن يتم التنمّر الاجتماعي بأشكال عديدة، والتي قد تكون بشكلٍ شخصي أومن خلال الإنترنات، وهذا النوع يمكن أن يحدث عند الذكور والإناث، إلّا أنّه أكثر شيوعاً لدى الإناث ومما لا شك فيه انه لا يوجد طفل لم يتعرض للمضايقات من أخ أوصديق، وهذا لا يُعتبر شيئًا ضارًا إذا تم بطريقة تتسم بالدعابة والود المتبادل المقبول بين الطرفين لكنه يتحول الى تنمرعندما يكون الكلام جارحًا ومقصودًا ومتكررًا، بحيث يتخطى الخط الفاصل بين المزاح والمضايقات البسيطة .
وبناءً عليه، تنصح اليونيسيف الأبوين بضرورة تثقيف نفسيهما بكل ما يتعلق بالتنمر وعلاماته وطرق التعامل معه.وباحترام الطفل وتعليمه أنه يستحق الاحترام. فإذا ما تعلم الطفل أنه من المقبول أن تتم إهانته وضربه والسخرية منه وإيذاؤه بالمنزل، فإنه سيكون أكثر ميلًا لتقبل ذلك من الآخرين (أو أن يقوم هو شخصيًا بإيذائهم).وتنصح ايضا بأن يظهرا للطفل دائمًا أنهما فخوران به، وتذكيره بمواطن القوة لديه وبقدراته، وتجنب النقد والتقليل من شأنه. كما تنصح بممارسة الرياضة التي تتيح له تنمية الثقة بالنفس.ومنحه الاهتمام الكافي. فالطفل يحتاج الى الإهتمام المتواصل والتمكين وبخلق بيئة آمنة للطفل حيث يمكنه التحدث عن أي شيء دون القلق من أن يتم لومه أو السخرية منه أو الشعور بأن لا أحد يفهمه كما تدعو الى تثقيف الطفل حول أنواع التنمر المختلفة بما فيها التنمر الإلكتروني ومساعدته على أن يكون بمأمن على الإنترنات من خلال وضع قواعد ملائمة لعمره وتعليم الطفل الاندماج مع الأطفال الآخرين والدفاع عنهم وقت اللزوم، فالأطفال تميل للدفاع عن طفل آخر أكثر من ميلهم للدفاع عن أنفسهم، وحين يقومون بذلك يصبحون أكثر ثقة في قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم عند الحاجة لذلك حسب اليونيسف .
واكدت ايضا في ذات السياق، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو»، في بلاغ أصدرته بمناسبة احياء اليوم الدولي لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس، ومنها التنمر الإلكتروني، الموافق لأول يوم خميس من شهر نوفمبر من كل سنة، أن احتمالات شعور الطلاب المعرّضين للتنمّر بأنهم منبوذون في المدرسة ثلاثة أضعاف احتمال شعور غيرهم من الطلاب بذلك.ولفتت المنظمة إلى أن احتمالات غياب ضحايا التنمّر عن المدرسة تقدر بضعف احتمالات غياب سائر التلاميذ عنها فضلا عن أن ضحايا التنمّر يحرزون نتائج دراسية أسوأ من النتائج التي يحرزها أقرانهم، ويعدّون أكثر عرضة للانقطاع عن التعليم النظامي بعد إتمام التعليم الثانوي.
ونشير إلى أن الدول الأعضاء لدى منظمة اليونسكووافقت على إعلان كل أول يوم خميس من شهر نوفمبر يوماً دولياً لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس، ومنها التنمر الإلكتروني، كمناسبة للإقرار بأنّ العنف في البيئة المدرسيّة يمثّل بشتّى أشكاله انتهاكاً صارخاً لحق الأطفال والمراهقين بالتعليم والصحة والرفاهية..
الخطة الوطنية لإصلاح القطاع الصحي : اجراءات عملية .. لتحقيق العدالة وتطوير المرافق العمومية
في خطوات عملية لتحقيق العدالة الصحية وتطوير المرافق العمومية بما يضمن حق جميع المواطنين في…