سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثبات والقدرة وشاهدنا السيناريو المستعاد من بغداد وطرابلس وتفاصيل السقوط المدوي وما رافقها من صور تتراوح بين الفرح والتهليل وما بين الخشية والترقب. إذن أسدل الستار على حكم آل الأسد الذي امتد ما يزيد عن نصف قرن عاش فيه السوريون عواصف لم تهدأ يوما ودفعوا أثمانا باهظة جراء مشيئة التاريخ والجغرافيا والاختلافات الإثنية والسياسية. ولأن أهل سوريا أدرى بشعابها فإننا لا نملك سوى ان نتمنى لهم السلامة والسلام والرفاه والحرية والتقدم لبلدهم العريق والجميل. ونحن هنا بمنأى عن إعطاء الدروس لهم أو الانغماس في تحاليل استراتيجية من فوق الربوة فهم أعلم بظروفهم وهم من اكتووا بنيران الحروب وبشاعة الحكم الدموي وهم من يواجهون مصيرا مفتوحا على المجهول في لعبة الأمم ورسم خرائط جديدة لمنطقة الشرق الأوسط. وفي هذا المشهد المتلاطم نحن معنيون بأمر مهم. فالعاصفة التي تهز بلاد الشام تهمنا بشكل من الأشكال. فالسجون التي فتحت على مصراعيها والتي غادرها مساجين من مختلف الأنماط تضم مع الأسف بعض التونسيين الذين تم تسفيرهم في مرحلة ما بعد الثورة التونسية والتحقوا جماعات وافراد بجبهات القتال سواء في العراق او سوريا او ليبيا. ومعلوم أن بعضهم قد لقي حتفه في المعارك التي دارت هناك وبعضهم عاد مع الموجة الأولى من العائدين في سنوات 2017 و2018 على ما أذكر وكنا قد خضنا في أمرهم طويلا وانقسم التونسيون بين من دعا الى قبول «توبتهم» وجعلهم يندمجون في المجتمع التونسي وبين من رأى انه لا مكان لهم تحت شمس هذا الوطن. ولكن هناك عدد آخر من التونسيين الذين التحقوا ببؤر التوتر وتحديدا بسوريا تم القبض عليهم وإيداعهم السجون السورية التي ظلوا قابعين فيها حتى يوم 8 ديسمبر الجاري. وهم الآن وحسب التقارير الإعلامية يتدفقون على تركيا من أجل العودة الى تونس. وهذا مربط الفرس. فحتى الآن ليست لدينا معطيات دقيقة عنهم فالبعض يقول انهم بضعة آلاف في حين يقلل البعض الآخر من العدد ليصل الى بضعة مئات. ولكن في كل الحالات هم يشكلون خطرا داهما باعتبار أنهم تورطوا في جرائم إرهابية وعاشوا فترات في السجون. كما أن أغلبهم غادر البلاد بهويات مزوّرة وحتما سيعود كذلك بأوراق ثبوتية مزيفة وذلك للتحيل على القوات الأمنية وحتى لا يفتضح أمرهم. هنا يطرح السؤال المركزي : ماذا نحن فاعلون؟ وماهي الخطة الأمنية والمجتمعية التي سنعدّها لهؤلاء؟ وماذا أعددنا لهؤلاء العائدين؟ هذه الأسئلة وغيرها بالتأكيد أجوبتها واضحة لدى أجهزة الدولة لكن لا بأس من ان ندلي بدلونا في هذا الخصوص. فالأكيد ان السقوط المدوي للنظام السوري قد أصاب الجميع بالصدمة والذهول لكن هذه الحالة لا ينبغي ان تطول فلابد من التعاطي بيقظة وعقل بارد مع هذا الملف ولابد أيضا من الاستعداد الجدّي لعودة هؤلاء سواء كانوا بضعة آلاف أو حتى بضعة مئات وقد غادروا السجون التي فتحت على مصراعيها. والأكيد ان عودتهم ستفتح الباب من جديد وبمعطيات مغايرة لطرح ملف التسفير وكل ما حفّ به وربما ستنكشف لنا حقائق مروّعة عن الفاعلين في هذا الملف الخطير. فالعائدون يمتلكون شيفرة تلك المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس التي عرفت ارتباكا أمنيا واجتماعيا وسياسيا. وربما تكون الفرصة مناسبة لفهم كل الألغاز التي ظلت قائمة حتى اليوم ولتطوى الصفحة وتوضع لها نقطة النهاية. والثابت ان فتح هذا الملف هذه المرة سيكون بمنتهى الشفافية ودون رقابة أحد فالمعلومات التي يملكها العائدون ربما تغير الكثير في قضية التسفير. ولكن قبل ذلك سنحتاج الى اكبر قدر من الجاهزية أمنيا واليقظة اجتماعيا لمراقبة عودة هذه الجحافل البشرية ولمعرفة هوياتها الحقيقية وللتثبت من الأعمال الإرهابية التي كانت ضالعة فيها سواء في تونس او في سوريا أو غيرها.
تأمين حياة المواطنين وحسن اختيار المسؤولين : عن المرحلة المفصلية ومتطلباتها
الحاجة الى الطمأنة ليست مرتبطة بظروف بعينها بل هي ضرورة ملحّة في زمن الأزمات والمحن مثلما …