2024-12-08

في الوقت الذي يعاني فيه معلّمو المدارس الريفية من معضلة السكن و التنقل : مساكن خصصت للمعلّمين متداعية ومهجورة بلا أي صيانة

في الوقت الذي تعاني فيه العديد من المؤسسات التربوية نقصا في المعلمين وتضطر فيه وزارة التربية مع كل سنة دراسية إلى اعتماد معلمين نواب في التخوم والمناطق الحدودية والنائية والريفية عِوَضا عن المعلمين المنتدبين وذلك من أجل ضمان عودة مدرسية موحدة لجميع التلاميذ في كافة تراب الجمهورية والبحث عن سبل الحد من العزوف، تتواصل معضلة المدارس الريفية في المناطق النائية وخاصة بالنسبة للمعلمين المنتدبين بها بسبب عاملين اساسيين هما المسكن والتنقل …
«الصحافة اليوم» فتحت ملف معاناة المعلمين في المدارس الريفية في المسكن والنقل وتداعيات هذه المعاناة على العملية التربوية وعلى تلاميذ هذه المناطق.
شهادات عن معاناة يومية
تحدثت إيمان الدالي معلمة من مدرسة برج العدواني التابعة لمعتمدية غزالة من ولاية بنزرت لـ«الصحافة اليوم» عن معاناتها اليومية مع النقل والسكن حيث قالت «بالإضافة إلى صعوبة التنقل والولوج إلى المدرسة التي تبعد عشرات الكيلومترات عن أول مركز عمراني هناك صعوبة أخرى وهي عدم وجود منازل معدة للكراء في الأرياف مما يضطر المعلم أو المعلمة, إلى اكتراء منزل في مكان عمراني قريب». وأضافت إيمان «يكون حينها التنقل إما بالاتفاق مع سائق نقل ريفي بشكل قار أو بالتنقل عبر أي وسيلة متوفرة أخرى حتى في بعض الأحيان ركوب الدراجات النارية أو الدواب». وعلقت محدثتنا «التنقل عبر النقل الريفي في حد ذاته معضلة لأن صاحب النقل يرفض في غالب الأحيان نقل معلم أو اثنين بالإضافة إلى تعرض المعلم إلى الإهانة والتنمر وغيرها»، وقالت «كثيرا ما نصل بملابس مبللة وكراسات تالفة بسبب العوامل المناخية وغياب أبسط مقومات النقل العادي وهذا ما أثر على نفسية المعلم وعلى أدائه وعلى العملية التربوية عموما» معتبرة أن المتضرر الأول من هذه الوضعية هو التلميذ الذي لا يصله التحصيل العلمي المطلوب.
وأشارت إيمان الدالي إلى المساكن المخصصة للمعلمين في المدارس الريفية والتابعة لديوان السكن، وأوضحت أن بمدرسة برج العدواني هناك ثلاثة مساكن تحولت إلى مخازن وأخرى تحتاج للصيانة حتى تصبح صالحة للسكن داعية السلط المعنية إلى التدخل لحل هذا الإشكال والحد من معاناة المعلم في الأرياف.
من جانبه أكد الهادي العابدي متفقد الدائرة التربوية بماطر على أن المدارس الريفية بمعتمدية غزالة تشكل عائقا كبيرا لأنها في معظمها مدارس متفرقة تبعد بين 40 و50 كلم عن ماطر المركز العمراني. وقال العابدي إن المساكن المخصصة للمعلمين شيدتها الدولة في الستينات والسبعينات والثمانينات لكنها لم تخضع للصيانة والعناية لسنوات مما جعلها تتحول إلى مساكن فارغة غير مؤهلة للسكن. واضاف ان المعلمين في السابق يسكنون مقابل دفع نسبة 10 في المائة من رواتبهم كأجر للكراء وكانوا يمثلون مصدر دخل إضافي لديوان السكن.
وأشار إلى أن هذه المساكن وقع إهمالها بالكامل رغم أن ديوان السكن تحول الى باعث عقاري عمومي يشيد ويبيع العقارات وتناسى دوره الاجتماعي في توفير مسكن لائق للمعلم داخل المؤسسات التربوية في الأرياف.
وتطرق الهادي العابدي إلى أن التنقل إلى المدارس يتطلب من المعلم مصاريف إضافية إلى جانب معلوم الكراء لافتا إلى أن المعلمين اغلبهم من المستجدين الذي لا يتحصلون على مستحقاتهم لأشهر قبل صرفها في وقت لاحق.
ودعا العابدي رئيس الجمهورية ووزير التربية إلى إيجاد حل جذري لهذه المعضلة والحد من اهدار المال العام في مساكن موجودة لكنها مهترئة لا يتم استغلالها في الوقت الذي يمكن أن تكون حلا للكثير من المربين في المدارس الريفية.
وهذا ما ذهب إليه أيضا ربيع الصالحي عضو الفرع الجامعي للتعليم الأساسي بالقصرين الذي أقر بأن المساكن الوظيفية للمديرين والمساكن للمعلمين تحول تقريبا جزء منها ومنذ سنوات إلى أقسام تحضيرية وجزء آخر لم تتم صيانته وفي معظمها غير صالحة للسكن، ودعا الصالحي إلى ضرورة إيلاء هذا الملف العناية المطلوبة.
وقالت آمال الرمضاني عضو الجامعة العامة للتعليم الأساسي لـ«الصحافة اليوم» إن السنة الدراسية ككل سنة تنطلق وسط معاناة مؤسسات التعليم من نواقص في الصيانة والتجهيزات ومن افتقار للمياه الصالحة للشرب، والنقص في عدد المعلمين، والحال أن هناك معاناة أخرى للمعلمين في المدارس الريفية ذات التضاريس الوعرة وتشقها عشرات الأودية وتتميز بتشتت متساكني أريافها بين القرى النائية والدواوير الجبلية والمناطق الحدودية ومسالكها الصعبة.. وتابعت الرمضاني «لذلك فمهما وصفنا الوضع والحالة المتردية لأغلب مدارس الجهة الواقعة في الأرياف والجبال فإننا لن نستطيع الإلمام به من مختلف الجوانب.
وأضافت محدثتنا هناك مساكن تابعة لديوان السكن تجاوز اغلبها العمر الافتراضي وتفتقر لأبسط مقومات السكن معتبرة أن هذا الوضع هو إهدار للمال العام بوجود مساكن أصبحت مخازن أو خالية وآيلة للسقوط شيدت من المال العام في الوقت الذي يتذوق فيه الكثير من المعلمات والمعلمين كل أشكال العذاب والمعاناة بسبب غياب السكن والنقل قريبا من المدارس الريفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

«النساء البرباشة» في تونس الكبرى : واقع مرير وأوضاع هشّة

في إطار الاحتفال باليوم الدولي لحقوق الإنسان قدمت دراسة حديثة نتائج تحقيق أنجزه الاتحاد ال…