سقطت التلفزات الوطنية للاسف بما في ذلك المحامل الاذاعية والالكترونية في «الفخاخ الاعلامية» التي وضعتها قناة الجزيرة القطرية والتي انقاد وراءها الاعلام العربي ـ ما عدا بعض الاستثناءات القليلة ـ «كقطيع أعمى» مرددا نفس الاستعمالات ونفس التوصيفات التي تخفي الهوية الحقيقية للجماعات التي تسعى الآن ومنذ أكثر من عشر سنوات للاستيلاء على سوريا…
قناة الجزيرة القطرية تسمي الجماعات المقاتلة في سوريا «بالمعارضة السورية المسلحة» وهي في الواقع جماعات ارهابية بل فخاخ ارهابية كانت نائمة في انتظار «اللحظة الصفر» وقد حددتها تركيا باتفاقات بعضها سري وبعضها معلن مع الكيان الصهيوني وأمريكا بالتعاون مع عدد من دول التطبيع…
فبعد اتفاق وقف النار في لبنان قدحت تركيا نار الحرب في سوريا باعطائها الضوء الأخضر «لهيئة تحرير الشام» وهي جماعة ارهابية مسلحة كانت تعرف باسم «جبهة النصرة» وكانت الجناح الرسمي لتنظيم القاعدة الارهابي..
و«هيئة تحرير الشام» التي تخوض حرب الاستيلاء على سوريا يتزعمها الارهابي «رجل تركيا» أبو محمد الجولاني ـ وهو الاسم الحركي لأحمد حسين الشرع ـ وهذا التنظيم مصنف دوليا كتنظيم ارهابي ونفس الشيء بالنسبة للجيش الوطني السوري والذي يحظى بالدعم الكامل من تركيا وهو أيضا جماعة ارهابية معادية لنظام بشار الأسد وتسعى الآن تحت رعاية تركية صهيونية أمريكية للاطاحة به…
ويذكر المتابعون بأن هذه الجماعات الارهابية التي تقدمها قناة الجزيرة القطرية على أنها «معارضة سورية» قد تبدّلت بالفعل ونزعت عنها الجبّة الارهابية وبدّلتها باخرى ذات طابع مدني وطني يتحرك ضدّ «استبداد نظام الاسد» ـ كما يقولون» من أجل الاطاحة به وانهاء وجوده بالمنطقة وبالتالي استبداله بنظام حكم وطني ديمقراطي..!
والواقع الذي يعرفه كل دارسي «الجماعات الاهاربية» بما في ذلك جماعات الاسلام السياسي هو أنها جماعات لا تتبدّل أبدا حتى وإن تغيرت… حتى وإن ظهرت بمظهر مدني ديمقراطي فهي لا تتغيّر أبدا ولن تتعب من السعي وراء ارساء دولة دينية متشددة ومتخلفة على كل المستويات على غرار طالبان ـ مثلا ـ وما جاورها… وعليه فإننا نعتبر القول بان هذه الجماعات قد تبدلت ويمكن التعويل عليها كبديل لنظام الاسد هو من باب الكذب ومن باب مغالطة الشعب السوري الذي يرنو ـ في العمق ـ الى التغيير حتى يخرج من حالة الاختناق التي طالت أكثر من اللزوم وتحولت الى قدر ضدّ طبيعة الاشياء… الاّ ان هذا التغيير المبتغى لن يتحقق اذا ما كان انتقالا من حالة استبداد الى جحيم الجماعات الارهابية فما يسمى «بمحمد الجولاني» وهو الاسم الحركي لاحمد حسين الشرع لا يمكن ان يكون بديلا ديمقراطيا لسوريا ففي سيرة الرجل جرائم ارهابية كبرى ارتكبت في حق السوريين فهو القائد الأعلى لهيئة تحرير الشام الارهابية المسلحة وكان قبل ذلك أمير جبهة النصرة وهي الفرع السوري لتنظيم القاعدة وكان من ضمن مقاتليها أو «جهادييها» بقيادة أبو مصعب الزرقاوي…
تخلى محمد الجولاني عن العمامة وتزيّأ بزي عسكري في محاولة منه لاقناع الرأي العام السوري والدولي بأنه قد أصبح أكثر اعتدالا وقد تخلى عن نزوعه المتشدد وذلك بتبنيه خطابا دينيا أكثر اعتدالا من أجل التخفيف من «حمولة صورة الارهابي» التي التصقت به وهو لا يخفي الآن أسباب الحرب التي يخوضها بدعم تركي صهيوني مباشر وأساسها اسقاط نظام الاسد وهو ما صرّح به لشبكة «سي.ان.ان» الامريكية أول أمس الجمعة بقوله :«عندما نتحدث عن الاهداف يبقى هدف الثورة اسقاط هذا النظام ومن حقنا استخدام جميع الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف…» وقد ذهب الى أكثر من ذلك بل هو كشف عن نفسه بأكثر وضوح في لقاء له مع «تايمز أوف اسرائيل» وذلك بقوله :«نحن منفتحون على الصداقة مع الجميع في المنطقة بما في ذلك اسرائيل… ليس لدينا اعداء غير نظام الاسد وحزب الله وايران وما فعلته اسرائيل في لبنان ساعدنا كثيرا والآن نحن نعتني بالباقي ـ لا يسعني الا ان أقول شكرا اسرائيل على ضرباتها ضدّ حزب الله والبنية التحتية الايرانية في سوريا ونأمل ان تزرع اسرائيل بعد سقوط الاسد وردة في الحديقة السورية وان تدعم الشعب السوري لمصلحة المنطقة فالمواطنون السوريون هم الذين سيبقون على حدود اسرائيل وليس بشار الاسد ولا الايرانيون…».
وفي سؤال حول الدعم المباشر من اسرائيل قال :«لدينا ما يكفي من المقاتلين على الارض وما نحتاجه من اسرائيل هو موقف سياسي واضح ضدّ نظام الاسد نحن بحاجة الى اشارة سياسية لبناء الثقة مع الشعب السوري»…
وكما هو واضح فإن تصريحات الجولاني كافية لوحدها لفهم حقيقة الصراع القائم الآن على الاراضي السورية وكافية أيضا حتى يلفظ السوريون هذا الرجل الذي يقترح نفسه ـ بوضوح ـ «كعميل مستقبلي» للكيان الصهيوني في المنطقة وهو يتوسّل دعمه له سياسيا كما ورد في تصريحاته والتي أكد من خلالها بأن ضرب ايران ثم اقتحام لبنان من قبل الجيش الصهيوني إنما كان من باب اضعاف حزب الله وكسر شوكته وتأديب ايران وايقاف تمدّدها في سوريا ثم فتح الطريق بعد ذلك أمام الجماعات الارهابية للاستيلاء على سوريا مباشرة بعد وقف اطلاق النار في لبنان وهو السيناريو الذي كشفه الجولاني في تصريحاته الاعلامية وهو الامر الواقع اليوم على الاراضي السورية…
لم يكن تحرك «الجماعات الارهابية» منذ الاربعاء الفارط مفاجئا ـ في الواقع ـ وإنما هي اختارت التوقيت المناسب والدقيق لهذا التحرك داخل الاراضي السورية مستغلة في ذلك عديد العوامل أهمّها على الاطلاق تورط الحليف الأكبر لسوريا ولنظام الاسد في المستنقع الأوكراني ونقصد هنا روسيا التي تخوض حربا شرسة ومرهقة ضد أوكرانيا اضافة الى التهديدات الصهيونية للحليف الثاني لسوريا ونقصد ايران المنشغلة أيضا بالحرب الصهيونية على لبنان وهناك عوامل أخرى على الميدان وأهمّها ضعف وغياب حزب الله وقياداته القتالية التي كان لها الفضل في بقاء نظام الأسد نضيف اليها ضعف القوات الايرانية على الأراضي السورية والتي كانت بمثابة حزام الامان لبشار الأسد، وخاصة بعد اغتيال قاسم سليماني الحزام القوي الذي وضع كل الاستراتيجيات القتالية للقوات الايرانية على الأراضي السورية…
كل هذه المعطيات وغيرها من العوامل وفي التوقيت المشترك التركي الصهيوني الامريكي تم اعطاء الضوء الأخضر «للجماعات الارهابية» وعلى رأسها محمد الجولاني لبدء تنفيذ الهدف أي الاستيلاء على كبرى المدن السورية ثم محاصرة دمشق بتعزيزات من الجنوب ومن الشمال ثم اسقاط نظام الاسد وانهاء حكمه الى الأبد وهذا لن يحصل ـ قريبا ـ وإن حصل فإن الثمن سيكون باهظا ومن دم الشعب السوري خاصة وان روسيا لن تسمح بسقوط الأسد بسهولة وستدافع عن مصالحها بقوّة بإسناد من القوات الايرانية… في الأخير نعيد التأكيد على أن من تسميهم قناة الجزيرة القطرية «معارضة سورية» ليسوا سوى «جماعات ارهابية مسلحة» وعلى رأسها قائد ارهابي سبق وان ارتكب جرائم في حق الشعب السوري لذلك لا نتوقع ان يكون «بديل حكم» وبامكانه ـ فقط ـ ان يكون «عميلا» و«يدا» صهيونية متقدمة في المنطقة…
ما بين «طوفان الأقصى» و «سقوط» نظام الأسد : إفراغ المنطقة من عناصر قوّتها كان مدروسا وممنهجا..!
بعيدا عن كل أشكال الاصطفاف الاعمى مع أو ضد بشار، علينا ان ننظر الى السقوط السريع والمفاجئ …