2024-12-07

بكل هدوء : تونس وتحدّي أمنها السيبراني

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع، أصبح من الضروري لتونس الاستثمار في بناء القدرات البشرية والتقنية لمواكبة هذه التحولات، وضمان أمنها السيبراني، وحماية مصالحها الوطنية في الفضاء الرقمي.

في ظل التطور التكنولوجي المتسارع الذي يشهده العالم، تواجه تونس، كسائر الدول العربية، تحديًا مزدوجًا يتجلى في محاولة اللحاق بالركب التكنولوجي من جهة، وحماية سيادتها الرقمية وأمنها السيبراني من جهة أخرى. هذا التحدي يتطلب موازنة دقيقة بين استثمار التكنولوجيا لتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبين تأمين البنية التحتية الرقمية وحماية البيانات الشخصية من التهديدات المتزايدة التي تتربص بها، سواء من قراصنة مستقلين أو جهات معادية تستخدم الهجمات السيبرانية لأغراض إرهابية أو تجسسية.

تسعى تونس، في إطار استراتيجيتها الوطنية للتحول الرقمي، إلى تعزيز قدراتها في مجالات الذكاء الاصطناعي وعولمة البيانات، باعتبارها أدوات أساسية لتحقيق التنمية المستدامة والانخراط في الاقتصاد الرقمي العالمي. ومع ذلك، فإن هذه المساعي تواجه تحديات جمّة، أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية ونقص الكفاءات المتخصصة في التكنولوجيا الحديثة. علاوة على ذلك، تُشكِّل الهجمات السيبرانية المتزايدة خطرًا يهدد استقرار المؤسسات الوطنية والخدمات الحيوية. وقد أشار الرئيس قيس سعيّد إلى هذه المخاطر بوضوح، مبرزًا الأضرار التي لحقت بالدولة نتيجة الاختراقات التي طالت بيانات حساسة ومسّت مصالح الدولة ومسؤوليها.

وفي هذا السياق، أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال لقائه بوزير تكنولوجيات الاتصال نزار بن ناجي، على ضرورة تعزيز قدرات الدولة في مجال الأمن السيبراني. وأشار إلى الأضرار التي لحقت بالدولة ومسؤوليها نتيجة الهجمات الإلكترونية والاختراقات التي تهدف إلى الحصول على معطيات سرية وشخصية.

من جانبه، أوضح وزير تكنولوجيات الاتصال أن تونس تشهد زيادة سنوية بنسبة ٪10 في عدد الهجمات السيبرانية، مما يستدعي تطوير استراتيجيات فعّالة للتصدي لهذه التهديدات.

كما أشار إلى أن الأمن السيبراني يمثل محورًا أساسيًا في الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي، مؤكدًا على أهمية التعاون بين مختلف الجهات لتعزيز السلامة المعلوماتية.

يُضاف إلى ذلك أن مواكبة التطورات التكنولوجية، خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، تفرض على تونس الانخراط في منظومة دولية قائمة على التبادل الحر للمعطيات الرقمية. غير أن هذه العولمة للبيانات تُثير تساؤلات جدية حول قدرة الدولة على حماية سيادتها الرقمية وخصوصية مواطنيها، لا سيما في ظل افتقار العديد من الدول النامية إلى قوانين صارمة وآليات فعالة لتنظيم استخدام البيانات وضمان سلامتها.

التجارب الدولية تُظهر أن تحقيق هذه المعادلة الصعبة ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب مقاربة متعددة الأبعاد. فعلى سبيل المثال، نجحت دول مثل إستونيا وسنغافورة في بناء منظومات رقمية متطورة، مع توفير حماية عالية للبيانات الشخصية. وقد اعتمدت هذه الدول على الاستثمار في البنية التحتية السيبرانية، وتطوير الكفاءات المحلية، وفرض تشريعات صارمة تضمن أمن الفضاء الرقمي. لكن هذه النماذج تستند إلى استثمارات ضخمة ورؤية طويلة الأمد، وهو ما قد يكون تحديًا أمام دول تعاني من محدودية الموارد، كحال تونس.

لذلك، تحتاج تونس إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة تقوم على تعزيز الأمن السيبراني كأولوية قصوى. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير الكفاءات البشرية، خاصة في مجالات التكنولوجيا الحديثة، ودعم الهيئات المتخصصة مثل الوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية لتوفير حماية أفضل للبنية التحتية الرقمية. إلى جانب ذلك، يجب تحديث القوانين المتعلقة بالجرائم السيبرانية والانضمام إلى المعاهدات الدولية مثل معاهدة بودابست، لتعزيز التعاون الدولي في مواجهة الهجمات الإلكترونية.

في الوقت نفسه، لا ينبغي أن تكون حماية المعطيات الشخصية عائقًا أمام التطور التكنولوجي. بل يمكن لتونس أن تستفيد من التجارب العالمية لتطوير نظام رقمي متكامل وآمن، يوازن بين الاستفادة من البيانات وتحقيق السيادة الرقمية. ولعلّ الحل يكمن في تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لضمان الاستثمار الأمثل في التكنولوجيا مع توفير الحماية اللازمة للبيانات، سواء تلك المتعلقة بالمواطنين أو بالدولة.

لمواجهة هذه التحديات، تعمل تونس على تحديث تشريعاتها المتعلقة بالجرائم السيبرانية والانخراط في المعاهدات الدولية، مثل معاهدة بودابست لمكافحة جرائم الفضاء المعلوماتي. كما تسعى إلى تعزيز دور الوكالات المختصة، كالوكالة الوطنية للسلامة المعلوماتية، لتأمين البنية التحتية الرقمية وحماية المعطيات الشخصية للمواطنين.

في الختام، يبقى السؤال قائمًا حول مدى قدرة تونس على تحقيق هذه المعادلة الصعبة. لكن الأكيد هو أن اللحاق بالثورة الرقمية لا يمكن أن يتم دون استراتيجية محكمة تضع الأمن السيبراني في صلب أولوياتها، وتجمع بين التقدم التكنولوجي وحماية السيادة الوطنية في عالم رقمي يتسم بالمخاطر كما بالفرص.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

بكل هدوء : عن  تدخل الدولة للنهوض بالفلاحة وضمان الأمن الغذائي ..!

في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها تونس، تتجه الدولة نحو تعزيز دورها في ال…