نحو إرساء نظام جديد لتقييم أعوان الوظيفة العمومية : خطوة إصلاحية شاملة لتعزيز الأداء والجودة
تمضي تونس قُدُمًا في إصلاح منظومة الوظيفة العمومية عبر تطوير نظام جديد للتقييم الفردي لأعوانها ، في خطوة تهدف إلى تحسين الأداء وتعزيز الكفاءة. هذا المشروع ، الذي بدأ قبل ثلاث سنوات بالتعاون مع وكالة التعاون التنموي الألماني ، يُعَدُّ جزءًا من استراتيجية شاملة لإعادة هيكلة الوظيفة العمومية بما يتماشى مع متطلبات العصر الحديث وتطلعات المواطنين .
فمن خلال تشخيص واقع التقييم الحالي فإن المنظومة الراهنة تحتاج إلى تغيير جذري ، إذ تعاني منظومة التقييم الحالية في الوظيفة العمومية من العديد من النقائص التي جعلتها غير قادرة على تحقيق أهدافها الأساسية. حيث تُوصف بأنها منظومة غير محفزة وغير منصفة وفق القائمين على البرنامج الجديد للتحديث، وغير قادرة على التمييز بين الموظف المجتهد والمُقصّر. هذا الواقع استدعى تشخيصًا علميًا شاملًا، يشمل جميع مستويات الإدارة من المركزية إلى الجهوية والمحلية، وبمشاركة فاعلة من المجتمع المدني.
من هذا التشخيص، برزت الحاجة إلى نظام جديد يعيد تعريف عملية التقييم بشكل أكثر شفافية وإنصافًا، ويعمل على تعزيز ثقافة الأداء المتميز والمساءلة.
ويعتمد النظام الجديد على « المحادثة السنوية للتقييم»، وهي أداة تُتيح للموظف حوارًا مباشرًا مع رئيسه المباشر بهدف تحديد أهداف واضحة للعام المقبل ، إلى جانب تقييم إنجازاته السابقة . وتُعتبر هذه المحادثة محطة محورية لتحديد احتياجات الموظف التكوينية ، بهدف تطوير مهاراته ورفع مستوى أدائه.
ومن خلال الخطة التي سيتم تنفيذها ، في نهاية كل عام، تُجرى جلسة تقييمية تُراجع مدى تحقيق الموظف للأهداف المرسومة مسبقًا ، مع التركيز على أسباب الإخفاقات « إن وُجدت» سواء كانت متعلقة بنقص في المهارات الشخصية أو بتحديات تنظيمية وإدارية. ومن أبرز مخرجات هذه الجلسة تحديد خطط تكوين جديدة للموظف ، إلى جانب فتح آفاق مهنية جديدة له من حيث التنقل أو الترقية . ولأول مرة، سيرتبط نظام التأجير بشكل مباشر بنتائج التقييم ، ما يُشكّل حافزًا قويًا للموظفين للالتزام بمعايير الأداء المتميّز.
إصلاح جذري للنظام القانوني للوظيفة العمومية
كما سترافق هذا التوجه ، جهود أخرى لمراجعة النظام الأساسي لأعوان الوظيفة العمومية الذي يعود إلى أكثر من أربعة عقود . حيث تركز هذه المراجعة على إثراء النصوص القانونية بآليات إدارة جديدة للموارد البشرية، مع تسليط الضوء على الحقوق والواجبات، وتكريس منظومة قيمية تُلبي تطلعات الموظفين والمواطنين على حد سواء.
وينتظر أن يشمل الإصلاح تخصيص باب مستقل لتقييم الأداء ضمن النظام الأساسي الجديد ، إلى جانب صياغة نصوص تنظيمية تُراعي مصالح الموظف العمومي والمواطن متلقي الخدمة ، بهدف تعزيز العلاقة بين الطرفين وتحسين مستوى الخدمات المقدمة .
وتسعى هذه التجربة التي يتم تطبيقها في بعض المؤسسات العمومية على غرار عدد من البلديات إلى تعزيز جودة الخدمات البلدية ، عبر تحسين أداء الموظفين البلديين الذين يمثلون الإدارة التونسية في عيون المواطنين. ويُتوقع أن يؤدي هذا المنهج التشاركي إلى تحسين وضعية الوظيفة العمومية ككل، من خلال رفع كفاءة الموظفين وتحفيزهم على تقديم الأفضل.
يمكن القول أن النظام الجديد للتقييم الفردي لأعوان الوظيفة العمومية يمثل نقلة نوعية في مسار إصلاح الإدارة التونسية. فهو ليس مجرد أداة تقييم ، بل هو جزء من رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز الكفاءة والشفافية وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين .
ومع استمرار هذه الجهود ، يبقى الأمل معقودًا على أن تُثمر هذه الإصلاحات بناء وظيفة عمومية أكثر استجابة لاحتياجات المواطنين ، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات المستقبلية . فالإصلاح الحقيقي يبدأ من الداخل، وهو ما تسعى تونس إلى تحقيقه عبر هذا المشروع الطموح.
مرّة أخرى الرئيس يتوقف عند « التخريب الممنهج» لقطاع النقل.. نحو مقاربة جديدة لإعادة بناء منظومة منهكة..!
يواجه قطاع النقل في تونس، منذ سنوات، تحديات متزايدة ألقت بظلالها على حياة المواطن اليومية …