لأن التاريخ في ظاهره لا يزيد عن الإخبار وفي باطنه نظر وتحقيق كما قال العلامة عبد الرحمان بن خلدون فإن ذكرى اغتيال الزعيم فرحات حشاد التي نحييها اليوم والتي تمت يوم 5 ديسمبر 1952 تستحق ان نتوقف عندها سواء بهدف تفكيك علاقتنا بالمستعمر القديم او استلهاما من الشخصية الرمزية العظيمة أو لمحاولة فهم بعض إشكاليات التاريخ واسقاطها على الحاضر.
لم يكن الزعيم النقابي فرحات حشاد اسما عابرا في تاريخ الحركة الوطنية والعمل النقابي في تونس. فهو اسم قدّت حروفه من الذهب الخالص رغم توهج الكثير من الرموز التاريخية لزعماء الحركة الوطنية التونسية. لكنه كان متفردا عن غيره لاعتبارات كثيرة أولها انه كان أول القادة والزعماء الذين لاحقتهم «اليد الحمراء» تلك العصابة التابعة للمخابرات الفرنسية ثم اغتالته يوم 5 ديسمبر 1952. فهو ,وإن لم يكن الوحيد إلا انه كان على رأس قائمة الشخصيات الوطنية التي اغتالتها هذه العصابة السرية قبل ان تغتال اخرين من بينهم الزعيم الهادي شاكر الذي فتك به المستعمر في عام 1953.
كما انه في المرحلة التي تم التخطيط فيها لاغتياله وتنفيذ المخطط كان هو قائد الحركة الوطنية سواء سياسيا أو ميدانيا فقد أقدم المستعمر الفرنسي إبان تلك المرحلة على القيام بعملية اعتقالات واسعة لزعماء الحركة الوطنية بهدف خلق فراغ مطلق في المشهد التونسي. لكن شخصية فرحات حشاد ذات الكاريزما العالية والحضور السياسي المتوهج الى جانب العمل الميداني اللصيق بالمواطنين ولاسيما النقابيين قد جعله يملأ هذا الفراغ الذي احدثه المستعمر. وقد تمكن حشاد من قيادة الحركة الوطنية اجتماعيا وسياسيا أيضا وهو الامر الذي لا يبدو متاحا لغيره من رموز الحركة رغم اهميتهم.
وخلال هذه المرحلة تمكن حشاد من ان يقوم بتنظيم إضرابات عامة ذات شعارات سياسية هادفة الى التضامن مع الشخصيات التي تم اعتقالها وأيضا منددة بالممارسات القمعية التي أقدمت عليها فرنسا. وقام بالتنسيق مع منظمات وطنية أخرى هي اتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحين وفق ما جاء في ما دونه المؤرخون الذين يتخصصون في التاريخ المعاصر لتونس.
وفي المرحلة نفسها كان الزعيم فرحات حشاد ينشط ضمن الديوان السياسي السري للحزب الدستوري الجديد. وبالتوازي مع هذا ثبت تاريخيا ان لهذا الرجل ضلع كبير في المقاومة المسلحة فقد كان أحد المنتمين الفاعلين والمؤثرين فيها سواء على مستوى التنظيم او التسليح او إعداد الخطط وإعطاء الأوامر للمقاومين. وهو أمر لا يعلمه الكثير من التونسيين رغم تأكيده من قبل المؤرخين ولعل هذا النشاط بالذات هو ما جعل المخابرات الفرنسية تطلب رأسه خاصة بعد تنفيذ عملية فدائية ثبتت صلته بها وذلك بمدينة قابس ولقى خلالها بعض الجنود الفرنسيين حتفهم وجرح آخرون. وكانت فرنسا الاستعمارية تجد بعض الحرج في اعتقاله نظرا لعلاقته الوثيقة بالكنفدرالية العالمية للنقابات باعتبار نشاطه النقابي حيث كان أحد أمنائها. وهو ما جعل المستعمر يتخفى خلف اليد الحمراء ليغتال الزعيم الخالد فرحات حشاد.
ولعلنا إذ نستذكر هذه السيرة العطرة نتوقف عند ما تختزله من معاني التضحية والفداء والوطنية وحس الانتماء الذي يبلغ اعلى الدرجات.
فقد كان فرحات حشاد زعيما نقابيا وقائدا سياسيا أيضا خاض تجربة نضالية مخصوصة وتحمّل أعباء اكراهات السياسة والعمل النقابي على حد سواء. ويمكن اليوم ورغم مرور ما يزيد عن السبعين عاما على اغتياله ان نستحضره وان نستلهم منه إعلاء قيم الوطنية والنضال بشكل يتسق مع مقتضيات المرحلة الحالية وخوض معركة السيادة الوطنية مع كل أشكال الاستعمار الجديد في ظل سياقات إقليمية وعالمية شائكة وبالغة التعقيد.
العائدون من سوريا.. مـــاذا سنعدّ لهم..؟
سقط نظام بشار الأسد في سوريا وثبت أن بيته أوهن من بيت العنكبوت وان جيشه فقد العقيدة والثب…