2024-12-05

في الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد.. ما أحوجنا لاستحضار قيم تأسيس الاتحاد..!

في الخامس من شهر ديسمبر 1952 طالت يد الغدر الزعيم فرحات حشاد أحد أبرز قادة الحركة الوطنية والنقابية في بلادنا وأحد مؤسّسي الاتحاد العام التونسي للشغل.

ورغم هول الحدث ووقعه على الجميع، ورغم مكانة الشهيد في المشروع الوطني التونسي، فقد أمكن للمنظمة الشغيلة الفتيّة أن تصمد بل وأن يشتدّ عودها وتصبح الرقم الصعب أمام المستعمر الفرنسي ثم الرقم الأساسي المساهم في بناء دولة الاستقلال.

وما كان لاتحاد الشغل أن يضطلع بدوره الوطني والاجتماعي كما رسمه المؤسسون وعلى رأسهم الشهيد حشاد لو لم يلتزم بالقيم التي نشأ عليها وتربّت عليها أجيال كثيرة من النقابيين.

وليس عسيرا على المتابع للشأن التونسي عموما والنقابي بشكل خاص، أن يدرك ان أسوأ اللحظات في تاريخ المنظمة وتاريخ البلاد – دون مبالغة – هي التي ابتعد فيها النقابيون وتحديدا «القيادة» عن القيم التي تأسّس عليها الاتحاد العام التونسي للشغل، فكانت الانسلاخات أحيانا، والأزمات الداخلية التي رافقتها عمليات التجميد والطرد وغيرها، دون ان ننسى التبعية أحيانا للسلطة والرضوخ لتوازناتها، أو الشطط في معارضتها، إلى جانب إهمال المسألة الديمقراطية داخل النقابة والفشل في التعبئة والتكوين النقابي وتملّك ملفّات التفاوض والحوار الاجتماعي وإعداد البدائل كما كان الحال مع المؤسّسين وفي العديد من المحطات التاريخية..

ونتفق هنا مع ما جاء في بيان قيادة المنظمة الصادر بمناسبة الذكرى 72 لاغتيال حشاد من أن النقابيات والنقابيين يحتاجون اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى إلى «استذكار المبادئ والقيم التي رسّخها الشهيد وسائر رفاقه المؤسّسين وسار على دربها الروّاد من الزعماء والقادة والمناضلين أبناء المنظمة من قيم الإيثار والتضحية والصدق والتفاني في خدمة العمّال والإصرار على المطالبة بالحقوق والحرص الشديد على وحدة النقابيين والتعالي عن الخصومات الهامشية وتقديم الأولويات مع وضوح الرؤية ودقّة الأهداف وحسن رسم الخطط في نطاق تصوّر وطني متكامل لا يحيد عن مبدإ التوازي بين المسارين: الاجتماعي والوطني».

ليس ذلك فحسب، تخلص قيادة الاتحاد إلى «أنّ النقابيات والنقابيين مدعوون اليوم، على وجه الخصوص، إلى استحضار هذه القيم وإعلائها والتحلّي بها تعزيزا لوحدتهم وصوْنا لمنظّمتهم وقربا من العمّال وعموم الشعب، حاضنتهم الأساسية  في ذلك ومعينهم على مزيد النضال حتّى رفع الحيْف وتحقيق العدالة الاجتماعية».

ولن نقف هنا عند النبش في مقاصد قيادة المنظمة التي عكس البيان الحد الأدنى المشترك المتبقي بين أعضائها، فقد خرج الخلاف بين أعضاء المكتب التنفيذي للعلن وقفز البعض من المركب تبرئة للذمّة وتنصّلا من المسؤولية المباشرة في كل ما أدّى بالمنظمة الى ما وصلت اليه اليوم، وأصبح الرأي الغالب والقناعة لدى البعض للأسف بأن الاتحاد في أسوإ أحواله وأنه فاقد اليوم للكثير من بريقه والأخطر من كل ذلك اهتزاز الثقة فيه في بيئته الحاضنة وشعبيته وصورته ودوره صار محلّ جدل وتشكيك وقلق وحتى استياء بعد أن كان محل إجماع وثقة ومقبولية وكان مقره الرمزي ومقراته الجهوية والمحلية قبلة الطيف المدني والسياسي.

لن نقف عند الأسماء في تحديد المسؤوليات، فالجميع «متّهمون» بما آل إليه الاتحاد، والحلّ لا يمكن ان يكون الا نقابيا نقابيا، بين النقابيين وبأياديهم وعقولهم وأفئدتهم.

إن خروج الاتحاد العام التونسي للشغل من هذه الأزمة غير المسبوقة في تاريخه ممكن بل هو ضروري وله متطلباته ويلزمه صراحة كثير من الوقت والجهد والاجتهاد والتضحية وتقديم التنازلات ولو المؤلمة.

ان القيادة التي تتحمّل المسؤولية الكبرى في الأزمة الراهنة مطالبة بدور كبير لتجاوزها، ونترك لها المجال للمبادرة للإنقاذ وتدوين صفحة مشرّفة في تاريخ المنظمة وفي تاريخهم الشخصي.

وبخصوص النقابيين بكل أطيافهم ومواقعهم واصطفافاتهم السياسية، لا مناص لهم من العودة بدورهم الى قيم التأسيس والعمل على رد الاعتبار للعمل النقابي وللمنظمة التاريخية التي ينتمون اليها وإجراء هذه المصالحة الضرورية بين الاتحاد وشعبه.

أما السلطة في منظومة ديمقراطية، وعلى درب بناء دولة اجتماعية وترجمة النوايا الطيبة في تحقيق الرخاء والعيش الكريم، فإن الجدوى والواقعية تقتضي الانفتاح على الوسائط التقليدية المتجذّرة التي تملك قاعدة جماهيرية ولها قدرة تنظيمية تسمح لها بتأطير الناس وتوعيتهم والاقتناع بضرورة الفصل بين الأشخاص والمؤسسات والتحلي برحابة الصدر في قبول النقد البنّاء والتفاعل الايجابي معه.

نقول هذا الكلام ونحن نحيي الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد على أيدي المستعمر الفرنسي وعملائه، ونحن نحتفل أيضا بالذكرى 100 لإنشاء جامعة عموم العملة التونسية في 3 ديسمبر 1924 بقيادة الزعيم محمد علي الحامي رائد العمل النقابي في افريقيا والعالم العربي، وبالتالي من له هذا التاريخ العريق وهذه التجربة النقابية الرائدة لا يخشى من العمل النقابي ومن دور النقابات حتى وإن زلّت ببعض النقابيين الألسن أو الأقدام كما يقال مثلما يحلّ بالساسة والمسؤولين.

لسنا بحاجة للتذكير مرة أخرى بأن الاتحاد العام التونسي للشغل مكسب وطني لكننا نلحّ في التأكيد على دوره المركزي الذي لا يمكن التخلي عنه وفق القيم التي تأسّس وانبنى عليها على مرّ العقود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في الذكرى 76 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. بأيّ طعم تحتفي الإنسانية اليوم بـ«الحقوق والحرّيات»..؟

تحيي المجموعة الدولية اليوم 10 ديسمبر 2024 الذكرى 76 لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان س…