مع تزايد الضغوطات المالية المسلطة على الميزانية : الترخيص للبنك المركزي إقراض الدولة يثير مخاوف حول استقلالية المؤسسة المالية
صادق أمس مجلس النواب على مقترح الفصل الذي تقدمت به وزيرة المالية سهام البوغديري بإضافة فصل في مشروع قانون المالية يتعلق بالسماح للبنك المركزي بمنح تسهيلات للخزينة العامّة جاء فيه ما يلي :يُرخص للبنك المركزي التونسي في منح تسهيلات لفائدة الخزينة العامة للبلاد التونسية في حدود مبلغ أقصاه 7000 مليون دينار تمنح دون فائدة موظفة وتسدد على 15 سنة منها 3 سنوات إمهال وتبرم اتفاقية بين الوزير المكلف بالمالية ومحافظ البنك المركزي التونسي تضبط طرق سحب وتسديد التسهيلات الممنوحة». وعللت البوغديري طلب التمويل المباشر من البنك بضرورة الإيفاء بالتزامات الحكومة الخارجية وسداد الديون العاجلة المستحقة في أوائل العام المقبل المقدرة بـ9 مليارات دينار (2.85 مليار دولار) في الربع الأول من سنة 2025 منها دفعة سيتم خلاصها بتاريخ 30 جانفي 2025 في حدود 1000 مليون دولار بعنوان أصل الدين ومبلغ 29 مليون دولار بعنوان الفوائد وذلك بعنوان القرض الرقاعي الذي تم إصداره بالسوق المالية العالمية في 30 جانفي 2015 بمبلغ 1000 مليون دولار على مدة 10 سنوات وبنسبة فائدة تساوي 5.75 بالمائة على ان يتم موفى سنة 2025 تسديد جميع الديون البالغ قيمتها 24690 مليون دينار (مبلغ خدمة الدين العمومي).
وبالتالي مع تزايد الضغوطات المالية المسلطة على ميزانية الدولة ومنها تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية وما كان لها من أثار سلبية على الاقتصاد التونسي تم التوجه في إطار سد حاجيات التمويل المنصوص عليها لسنة 2024 إلى تكثيف تعبئة الموارد بالسوق المحلية بمختلف أنواعها من رقاع خزينة قصيرة المدى وأخرى طويلة المدى وقرض رقاعي وطني وآخر مجمّع بالعملة غير أن هذه الموارد رغم تنوعها تبقى محدودة بالعلاقة مع حاجيات التمويل من حيث المبالغ التي يمكن تعبئتها مقارنة بحاجيات تمويل ميزانية 2025 والبالغة ما يناهز 28 ألف مليون دينار.
ويعد لجوء الحكومة للاقتراض من البنك المركزي آلية جديدة تعتمدها هذه الأخيرة في السنوات كلما نفذت موارد الدولة وواجهت مصاعب مالية في خلاص ديونها، كانت بدايتها سنة 2020 لتستعملها مرة أخري سنة 2024 في مناسبتين حيث طلبت الحكومة في شهر جانفي من البنك المركزي توفير 2.2 مليار دولار لتمويل خزينة الدولة. واعتبر أستاذ الاقتصاد أنّ اللجوء إلى هذا الأمر هو من باب «الحلول السهلة»، وأنّ هذا الخيار جاء تعويضًا للذهاب إلى صندوق النقد الدولي، مع أنّ الحل يكمن في إصلاح المالية العمومية، وقال: «لا ضمان بألا تتكرر مثل هذه القرارات»، محذرًا من ضخ النقد داخل الاقتصاد بشكل لا يقابله ثروة.
ويعكس إصرار الحكومة على اللجوء الى البنك المركزي للحصول على تمويلات تمكنها من الإيفاء بتعهداتها المالية جدية تمشي الدولة في سياسة التعويل الذاتي وإقبالها بشكل متزايد إلى التمويل المحلي وسط صعوبات في الحصول على قروض أجنبية والتي تجسمت أكثر بعد التخلي عن التعامل مع صندوق النقد الدولي وعدم الحصول على القرض المتفق عليه بسبب رفض رئيس الجمهورية سياسة الاملاءات الخارجية المفروضة من قبل هذه المؤسسة المانحة.
ولئن بدت آلية الاقتراض من البنك المركزي «آلية» ناجعة للدولة تتماشى مع المطالب المنادية بالحد من الاقتراض الخارجي والتعويل على الموارد الذاتية إلا ان المتابعين للاقتصاد الوطني يرون أن لجوء الحكومة إلى سحب موارد من البنك المركزي سيؤثر سلبا على موارد هذه المؤسسة البنكية ولاسيما احتياطي العملة الأجنبية ، الأمر الذي يحد من عمليات التوريد ويخلق اضطرابا في الأسواق الداخلية بسبب نقص بعض المواد الاستهلاكية الأولية. هذا ويرى بعض الخبراء أيضا ان منح البنك المركزي قروضا أو «تسهيلات» للدولة، ستكون له تداعيات سلبية، ولا سيما على التصنيف السيادي للبنك المركزي من قبل وكالات التصنيف الدولية التي تعتبر أن التمويل المباشر لخزينة الدولة من قبل البنك المركزي يمس استقلاليته ومصداقيته إضافة الى إمكانية ارتفاع مؤشر التضخم وتذبذب سعر صرف الدينار.
وبالعودة الى سياسة التعويل على الذات المعتمدة من طرف الدولة (سواء عبر الاقتراض من البنك المركزي أو اللجوء الى آلية القرض الرقاعي) لتعزيز مواردها المالية والتي نجحت إلى حد ما في تغطية عجز الميزانية وأثبتت من جهة أخرى مدي تأثيرها السلبي على الاقتصاد الوطني، بات من الضروري البحث عن حلول بديلة عوض استغلال موارد القطاع البنكي التي من المفروض ان تخصص لدعم القطاعات الواعدة اقتصاديا من سياحة واستثمار وبنية تحتية . كما يتطلب الوضع ضرورة تحسين الموارد الجبائية وترشيد النفقات العمومية مع إعطاء الأولوية لتمويل الاستثمارات وخاصة في القطاع الفلاحي الذي ساهم إلى حد كبير في تغطية عجز الميزانية وتوفير موارد هامة من العملة الصعبة (زيت زيتون والتمور مثلا).
كل هذه الحلول والتي سبق أن طالب الاقتصاديون بالتسريع في تنفيذها من شانها أن تساعد الدولة على تحسين ميزانيتها وتجسم بنجاح تمشي الدولة في سياسية التعويل على الموارد الذاتية وتقليص الديون الخارجية التي تثقل كاهل الميزانية دون إثقال كاهل القطاع البنكي.
تعطل المبادلات التجارية في معبر رأس جدير : الخسائر تناهز 300 مليون دينار في صورة تواصل الاغلاق إلى نهاية العام الحالي
«تراجعت الحركة التجارية بين تونس وليبيا عبر معبر رأس جدير بنسبة 28.7% حتى أكتوبر الماضي بس…