هجرة الكفاءات التونسية : هل من حلول لإيقاف النزيف..؟
تشهد تونس موجة متصاعدة ومستمرة من هجرة الكفاءات في مختلف القطاعات التي زادت وتيرتها بعد سنة 2011 ، ما يجعلها تواجه أزمة خطيرة. وهي ظاهرة دون شك تهدد بتفريغ البلاد من أهم مواردها البشرية المؤهلةلتصبح مشكلا يعكس الفشل في توفير بيئة عمل تضمن بقاء هذه الكفاءات في وطننا .
وتؤكد الدراسات الأخيرة أن تونس تحتل المرتبة الثانية إفريقيا وعربيا في هجرة الكفاءات. وحسب تصريحات الأستاذ الجامعي سمير حمدي، فإن عدد المهندسين الذين يغادرون البلاد سنويا بحثًا عن فرص عمل في الخارج يصل إلى 8500 مهندس. أما في القطاع الصحي، فتشير الإحصاءات إلى أن حوالي 41 بالمائة من المهاجرين التونسيين ينتمون إلى القطاع الطبي وشبه الطبي ما ينعكس سلبيا على جودة الخدمات الصحية المقدمة داخل البلاد .
ويبرز حجم الخسائر بشكل واضح في قطاع التعليم والبحث العلمي، حيث ساهمت الكفاءات التونسية في رفع تصنيف الجامعات العربية عالميا بينما تعاني الجامعات التونسية من تراجع مستمر. كما تشمل هذه الهجرة الخبراء في مجالات التكنولوجيا والطاقةوالصناعةما يترك فراغا كبيرا في القطاعات الإنتاجية .
وتشير المعطيات إلى أن الدولة التونسية تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الظاهرةحيث تعاني الكفاءات من بيئة عمل متدهورة في البلاد وظروف مهنية غير مشجعة على التشبث بالبقاء للعمل في الوطن . . ومن بين الأسباب الرئيسية نذكر ضعف الرواتب التي تعتبر متدنية تجعل من الصعب على الأطباءوالمهندسين والأساتذة عيش حياة كريمة مقارنة بما يحصلون عليه في الخارج لان هناك نسبة هامة من الإطارات أصبحت تبحث عن جودة الحياة في الخارج التي تفتقدها في بلادنا إضافة إلى غياب التقدير المهني اذ يشعر عدد كبير من الإطارات بأن جهودهم ومهاراتهم لا تلقى التقدير المناسب في تونس سواء من حيث الترقية أو الاحترام المهني.
كما ان نقص الإمكانيات من بين الإسباب حيث تعاني المؤسسات التونسية من نقص كبير جدا في التجهيزات والموارد على غرار مؤسساتنا الاستشفائية ما يجعل العمل فيها مرهقًا وغير منتج.
والأكيد ان هجرة الكفاءات تؤثر بشكل سلبي على بلادنا بعدة طرق تتمثل اساساً في تدهور الخدمات الأساسيةمثل الصحة والتعليم نتيجة نقص المهنيين المؤهلين وإضعاف الاقتصادحيث تفقد البلاد عقولًا قادرة على تحقيق التنمية وإدارة المشاريع الكبرى إضافة الى زيادة الاعتماد على الخارج في استيراد الخبرات ما يكلف الدولة أموالاً طائلة في حين ان الدولة انفقت اموالاً طائلة على تعليم الفرد الواحد من المرحلة الابتدائية إلى المراحل النهائية من دراساته لتهديه إلى البلدان الأخرى لتنتفع بكفاءاته وخبراته خاصة وان الكل يشهد بالكفاءات التونسية .
الحل بيد الدولة
ورغم كل التحديات يمكن للدولة أن تتخذ إجراءات للحد من هذه الظاهرة. اذ تتطلب الحلول رؤية استراتيجية طويلة الأمد تشمل تحسين الرواتب وظروف العمل من خلال زيادة الأجور وتوفير بيئة عمل مشجعة ومحفزة على استمرار العمل مع ضرورة تعزيز التقدير المهني عبر سياسات تضمن الترقية العادلة وتحفيز المشاريع البحثية فضلا عن إصلاح القطاعات الحيويةكالقطاع الصحي والتعليمي وذلك بتوفير التمويل اللازم والبنية التحتية المناسبة اذ يجب ان يعي كل مسؤول ان هجرة الكفاءات ليست مجرد أرقام بل هي أزمة تعكس اختلالات عميقة في بنية الدولة وسياساتها. وعلى بلادنا أن تدرك أن ثروتها الحقيقية تكمن في عقول أبنائها أن فقدان هذه العقول لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع والتهميش. فالدولة هي المسؤول الأول عن هذه الأزمة وهي الوحيدة القادرة على إيجاد حلول لهذه الظاهرة باتخاذ قرارات شجاعة تضمن عودة الأمل للكفاءات، فالمستقبل لا يُبنى إلا بسواعد وعقول أبنائه.
فيروس نقص المناعة المكتسبة في تونس : معركة مستمرة ومسؤولية مجتمعية
في إطار اليوم العالمي لمكافحة فيروس نقص المناعةً المكتسبة«السيدا»الموافق لغرة ديسمبر، نظمت…