قرّر مجلس ادارة البنك المركزي التونسي في بيان اصدره يوم 28 نوفمبر الجاري الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسية دون تغيير، في مستوى 8 % مؤكدا على ضرورة الاستمرار في اعتماد سياسة نقدية حذرة نظراً للمخاطر المحيطة بمسار التضخم.واتخذ البنك هذا القرار بعد استعراضه للتطورات الاقتصادية والمالية الأخيرة على الصعيدين الدولي والوطني. وسبق أن دعا عديد الخبراء وأساتذة الاقتصاد منذ مدة طويلة السلطة النقدية إلى ضرورة التخفيض في نسبة الفائدة الرئيسية وذلك لأنها نسبة مرتفعة، وقد تأكدت تداعياتها بوضوح على الاستثمار والاقتصاد عامة وعلى زيادة التكاليف والضغوطات المالية المسلطة على المؤسسات الصغرى والمتوسطة، التي تمثل غالبية النسيج الاقتصادي في البلاد، والتي لم تعد تستطيع الولوج الى التمويلات البنكية بسبب ارتفاع كلفة القروض اللازمة لدفع أنشطتها أو توسيعها وتطويرها بما من شأنه المساهمة في خلق الثروة وخلق مواطن الشغل وتقديم دفع للنمو الاقتصادي، لكن واقع الحال يؤكد تأثر النمو الاقتصادي الذي مازال ضعيفا جدا وسجل نسبة نمو بحساب التغيرات الثلاثية قدرت خلال الثلاثية الأولى من العام الجاري بـ 0,6 % ثم 0,2 % خلال الثلاثية الثانية ثم 0,8 % خلال الثلاثية الثالثة وهي نسب تبرز أن الاقتصاد التونسي يجد صعوبات في خلق الثروة وتسجيل نسبة نمو اقتصادي طيبة ما يرجعه عديد الخبراء الى الصعوبات التي تجدها المؤسسات الصغرى والمتوسطة في ظل بيئة مالية قاسية وتكاليف مرتفعة تفسر  زيادة معدلات الفشل وتقليص حجم الاستثمار. وللاشارة فإن البنك المركزي عبر في بيان سابق له بتاريخ 31 جويلية 2024 بعد قراره الابقاء على نسبة الفائدة الرئيسية دون تغيير، في مستوى 8 %، عن انشغاله إزاء تباطؤ تطور القروض الممنوحة للاقتصاد خلال سنة 2023 والنصف الأول من سنة 2024، والذي شمل بالأساس القروض المسندة للشركات الصغرى والمتوسطة والأفراد، على خلفية السياق الاقتصادي الصعب وتواصل الضغوط التضخمية مشددا في البيان ذاته على ضرورة تنسيق جهود جميع الأطراف المعنية لدعم الشركات وضمان ديمومتها والحفاظ على مواطن الشغل. في المقابل يرى بعض الخبراء ان مواصلة اعتماد البنك المركزي مكافحة التضخم بالرفع في نسبة الفائدة قرار يعكس تمسكه بمقاربة خاطئة ترى أن التضخم المالي الناتج عن الاقراض المفرط والذي يؤدي إلى ضخ السيولة بدون نماء للثروة يفاقم التضخم المالي وبالتالي يذهب في الابقاء على نسبة الفائدة مرتفعة لكن هذه السياسة النقدية الحذرة هي من الأسباب الرئيسية للانكماش الاقتصادي الذي تعيشه تونس اليوم في نظرهم. من جهة أخرى لفت المجلس في بيانه الاخير وفي ضوء الأداء المتوقع لعام 2024 بأكمله على ضرورة أن تعمل جميع الأطراف الفاعلة على التسريع في إرساء الإصلاحات المستوجبة وتذليل جميع الصعوبات من أجل تعزيز قدرات العرض وتحقيق نسب نمو من شأنها أن تمكّن من الحفاظ على التوازنات الجملية. وهو ما يعني أن مسؤولية الحفاظ على التوازنات الجملية لا تقع على عاتق السلطة النقدية لوحدها بل هي مسؤولية جماعية تشترك فيها جميع الأطراف الفاعلة لتحسين الوضع عموما.وهذا ايضا هو الأمر نفسه الذي يشدد عليه الخبراء من أن الابقاء على نسبة الفائدة مرتفعة لمكافحة التضخم ليس الحل ولا يجب أن يكون الحل الوحيد على الأقل اذ لا بد أن تعاضده  عديد الاصلاحات اللازمة وأن تكون مدعومة بحزمة من الإجراءات التي تهدف لخلق الثروة وتحفيز النمو ودفع الاستثمار وتقليص البطالة  التي من شأنها معا تخفيض حدة التضخم وتحسين الوضع الاقتصادي عموما .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

اللجنة التجارية المشتركة التونسية الليبية : تحقيق الاندماج الاقتصادي يتطلب إطلاق الاستثمارات المشتركة وتحيين الاتفاقيات الثنائية

تمثل اللجنة التجارية المشتركة التونسية الليبية التي اختتمت أشغالها مساء أول أمس الأحد 7 دي…