2024-11-30

ترسانة من القوانين والتشريعات : هل اكتملت حقوق الطفل ..؟

تكاد  العديد من الدراسات الرسمية وغير الرسمية الكمية منها والنوعية في تونس كما في غيرها من  دول العالم تجمع بأن الأطفال الذين تعرضوا للأذى المادي والمعنوي والمعرضين للتهديد بأشكاله المختلفة في تزايد مستمر ففي الوقت  الذي تمثّل فيه التشريعات التونسية الخاصة بالطفل مثالاً يحتذى وفق ما تؤكده تقارير دولية، إلا أنّها لم تستطع أن تخفي ذلك الواقع القاتم الذي تعانيه براءة الطفولة على صعيد الانتهاكات المتكررة والمرشحة للتصاعد سواء داخل الفضاء العائلي أوفي المحيط الخارجي.

وفي متابعة لهذه المسألة اكدت في تصريح لـ« الصحافة اليوم» الناشطة الحقوقية وعضو المنظمة الوطنية للطفولة التونسية «المصائف والجولات» السيدة هدى مهني بأن واقع الطفولة اليوم لم يعد ورديا نظرا لتكرر الانتهاكات وتزايدها رغم أن بلادنا كانت سباقة في سن التشريعات الحمائية وعلى راسها مجلة حماية الطفل سنة 1995التي انفردت بها تونس في العالم العربي والإسلامي، بعد أن صادقت العام 1991 على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وقد مكّنها ذلك من إجراء تعديلات وتنقيحات على تشريعات قانونية لها صلة بحقوق الطفل مثل «الأحوال الشخصية» و«الإجراءات الجزائية» وغيرهما، كما صادقت تونس على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تتعلق بحماية الطفولة أهمها ما يتعلق بعمالة الأطفال، وأحدثت منصب قاضي الأسرة وقاضي الأطفال وتضيف محدثتنا بأن حماية حقوق الطفل نص عليها ايضا الدستور التونسي في الفصل 47 منه والتي تؤكد  على أنّ «حقوق الطفل على أبويه وعلى الدولة ضمان الكرامة والصحة والرعاية والتربية والتعليم، وعلى الدولة توفير جميع أنواع الحماية لكل الأطفال دون تمييز ووفق المصالح الفضلى للطفل»، وهو فصل قريب في روحه من المبادئ الأساسية التي انبنت عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل: مبدأ عدم التمييز ومبدأ مصلحة الطفل الفضلى ومبدأ الحق في الحياة والبقاء ومبدأ الحق في المشاركة.

وتستطرد السيدة مهني لتؤكد بأن هذا الجانب المضيء في مجال حماية حقوق الطفل تقابله للأسف العديد من النقائص التي تظهر جلية على أرض الواقع ولابد من الاشارة اليها والتنبيه بشأنها ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسألة العنف والإدمان بمختلف أشكاله وفي مقدمتها المواد المخدرة التي استفحلت كثيرا في الكثير من الأحياء خاصة ذات الكثافة السكانية العالية والمتاخمة للعاصمة كذلك الانقطاع المبكر عن الدراسة والمتاجرة بالأطفال والاستغلال الاقتصادي وتشير محدثتنا أيضا إلى بروز سلوكيات نفسية وظواهر مستجدة خاصة في المحيط المدرسي مثل التنمر ومشاكل نفسية عديدة يعاني منها الطفل بسبب التفكك الأسري.

لذلك تؤكد السيدة هدى مهني بأنّ التشريعات وحدها لا تكفي لتضمن للأطفال ما يحتاجونه من أمن اجتماعي ونفسي وضمان لحقوقهم وممارستها فهذه القوانين ولئن كانت رائدة لكنها تبقى في حاجة الى مزيد تفعيلها  حتى تكون قادرة على تقديم حماية انجع للطفل مشيرة إلى ضرورة التركيز أكثر على تبسيط المعلومة التي تتعلق بالقوانين لدى المواطن وتوعيته بأهمية  آلية الإشعار للتبليغ عن كل التهديدات التي يواجهها الطفل خاصة في ما يتعلق بالعنف والاستغلال.

كما توجهت  محدثتنا بنداءمن اجل فتح أبواب المدارس أمام التنشيط الثقافي والتربوي لأهميته في صقل مواهب الطفل وتحفيزه على الإبداع ونبذ مظاهر العنف وتنقية ذهنه من مختلف السلوكيات المحفوفة بالمخاطر وبنداء اخر لدعم العمل التشاركي والتنسيق بين مختلف الاطراف المتداخلة من اجل تحقيق اهداف الحماية الناجعة التي يسعى إلى ترسيخها القانون مبينة بأنه مع  انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد ممكناً حجب هذه الحوادث عن المجتمع التونسي بل يجب وضع حد لها عبر التبليغ والاشعار فالوضع الذي يعيشه الأطفال في تونس اليوم بات أصعب ما يكون، بسبب الجرائم التي تُرتكب في حقهم والتي اصبحت  أكثر من أن تُحصى، ولمّا كانت الترسانات الكثيرة من القوانين والتشريعات قد ضمنت لهم نظرياً حقوقاً تمكنهم من عيش حياة لائقة، فإنّ الوعي العام لدى التونسي لم يرتقِ بعد إلى مستوى هذه التشريعات،التي ما تزال في حاجة إلى مزيد تفعيلها .

وباعتباره الوثيقة الإحصائية الرسمية الوحيدة في تونس استشهدت  محدثتنا بمخرجات التقرير الإحصائي الخاص بالإشعارات حول وضعيّات الطفولة المهدّدة والطفولة في خلاف مع القانون لسنتي 2020 و2021،والذي بين بأنّ نسبة الإشعارات المتعلّقة بعجز الأبوين وتقصيرهما في الرعاية والتربية بلغت 50,9 % سنة 2021 مبينا ايضا بأنّ العائلة هي المصدر الأول للإشعارات حول حالات التهديد المسلطة على الطفل بنسبة 58 %، وأنّ أغلب التهديدات التي يتعرض لها الطفل ويتم الإشعار حولها تقع في الوسط الأسري بنسبة 60 % من مجموع الإشعارات وقد قُدّرت ايضا نسبة اعتياد سوء معاملة الطفل بـ 22.3 % سنة 2021 وفي مجال شبهة الاتجار بالأطفال، فإن الاستغلال الاقتصادي قد سجل أكبر نسبة سنة 2021 لتبلغ 58,5 %، يليه الاستغلال الجنسي بنسبة 29,5 % مؤكدة  بأن الإشعار حول كافة أشكال التهديد لمصلحة الطفل الفضلى واجب محمول على الجميع وإنّ هذه الإحصائيات تدعو فعلاً إلى تأمل واقع الأطفال جدياً ليتلاءم معيشهم مع ما تضمنه لهم الاتفاقيات والقوانين والدساتير خصوصا في تونس.

تجدر الإشارة إلى أن استراتيجية وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن باعتبارها الجهة الرسمية التي تعنى بالطفولة  تتجه وفق ما اعلنت عنه وزيرة الاسرة يوم الاثنين 18 نوفمبر 2024 خلال  أشغال الجلسة العامة المشتركة مع المجلس الوطني للجهات والأقاليم، للنظر في المهمات والمهمات الخاصة من مشروع ميزانية الدولة لسنة 2025 نحو وضع السياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة بهدف مزيد التنسيق وتوحيد الجهود والموارد من أجل ضمان أكثر نجاعة للتدخّلات الحمائية والوقائية للأطفال عبر إرساء المجلس الاعلى للطفولة والمصادقة على الاستراتيجية متعدّدة القطاعات لتنمية الطفولة المبكرة وتفعيل الخطة الإجرائية لتنفيذها ومواصلة العمل على الخطّة الاستراتيجية الوطنية لحقوق الطفل والتغيرات المناخية بهدف وضع حوكمة مناخية دامجة للأطفال ومراعية لحقوقهم وكذلك نحو حماية ورعاية الاطفال من الفئات الهشة عبر تنظيم طرق التعهّد بالأطفال في حالات الإهمال والتشرّد بالتنسيق مع الجمعيات والدوائر المختصّة.

ثمّ تولّت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ الإجابة عن استفسارات النوّاب، واكدت أن الوزارة سوف تعمل على  تعزيز العمل الوقائي المبكر في مجال الاحاطة بالاطفال بالترفيع في نسبة تغطية الخدمات قبل المدرسية بالمناطق ذات الكثافة السكانية وعلى  دعم الارشاد النفسي والاجتماعي  من خلال تركيز خلايا إرشاد  وإحاطة وفق مقاربة تنسيقية تشاركية مع  الوزارات المعنية  وتنظيم حلقات حوارية توعوية لنبذ السلوكيات المنحرفة،  ومظاهر العنف والتنمر وتعميمها في كل المؤسسات ذات الصبغة الاجتماعية والتشجيع على المشاركة في  الانشطة الرياضية والثقافية، الى جانب تنمية مهارات الاطفال في المجال العلمي والتكنولوجي عبر مراكز الاعلامية ونوادي الاطفال.

كما ستعمل على وضع خطة تدخّل مشترك من اجل ضمان الرعاية الصحية للأطفال والتركيز على التوعية الاسرية والتربية الوالدية اضافة الى العمل على تنويع برامج التحسيس ضد الإدمان الرقمي وتعاطي المواد المخدّرة والتعهّد بالاطفال الواردة في شانهم اشعارات لاستهلاكهم مخدرات وإحالتهم إلى المستشفيات العلاجية والتعهّد بأطفال التشرّد بهدف إعادة إدماجهم في المجتمع والعمل على تعزيز سلك مندوبي حماية الطفولة عبر 40 انتدابا لإعادة ادماج الاطفال في المحيط الاجتماعي وإعادة هيكلة المراكز المندمجة للشباب والطفولة عبر تنقيح النصوص القانونية المتعلقة بها وتسوية الوضعية العقارية لعدد من المنشآت التابعة للوزارة وبعث نوادي أطفال جديدة ، مع تمكين المناطق المحرومة من  مراكز النوادي  المتنقلة مع  اعتماد مقاربة ادماجية لأطفال التوحد في رياض الاطفال والرفع في عدد الاطفال المقبولين من 600 إلى 800 طفل، الى جانب  إعداد ادلة للأولياء والمرافقين وتعزيز قدراتهم في الاحاطة بهذه الفئة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

في آخر فترة من السنة أجواء شتوية بامتياز وتدخلات لإزالة الثلوج

تعيش مختلف مناطق البلاد خلال هذه الأيام القليلة التي تفصلنا عن نهاية السنة الادارية أجواء …