في تفاعل بعض الوزراء مع نواب المجلسين : شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا..!
تتواصل تحت قبة البرلمان هذه الأيام الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم للنظر في مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2025 والمهمات الخاصة، وهي تجربة جديدة في عمل «الوظيفة التشريعية» اختلفت في الشكل كليا عن التجارب السابقة لكنها ظلت حاملة لبعض أوجه التشابه مع ما كان يشاهده التونسيون في المباشر كل عام.
ولعل من أبرز نقاط التشابه، حرص عدد من نواب الشعب في المجلسين على الكلام والتحدث باسم الجهة بالدرجة الأولى وباسم الشعب بدرجة ثانية، والتوقف عند مشكلات بعينها تخص كل مهمّة في «الوظيفة التنفيذية» وهو أمر محمود في تقديرنا، نرى مثيله في برلمانات العالم ويخرج في بعض الأحيان عن المألوف.
ويُحسب للنواب بكافة ألوانهم هذا العام أنهم حافظوا على مسألة جوهرية في السلوك السياسي وهي الالتزام بمربع «25 جويلية» والتحرك ضمن مشروع رئيس الجمهورية قيس سعيّد وتأكيد الانخراط فيه بقوة رغم التحفظ على أداء بعض الوزارات، أو المهمات لذلك لا يجد المتابع للجلسات العامة والنقاش فيها معارضة وموالاة وحتى تسجيل التحفظ على هذا الوزير أو هذا الملف سرعان ما يتم تجاوزه بتأييد وزير آخر والثناء عليه والتذكير بالحكمة في اختياره.
أما في ما يتعلق بالوزراء، فقد غابت المفاجآت وكان اغلب من تكلم إلى حد الآن أمام نواب المجلسين وفيّا لما رشح في سلوكه منذ اختياره من قبل رئيس الجمهورية ليكون في الفريق الحكومي ونتحدث هنا عن وزيرة العدل على سبيل المثال او الخارجية أو المالية أو النقل وغيرهم واكتشفنا في المقابل وزراء آخرين لأول مرة منذ أشهر على غرار وزيرة الثقافة والمرأة والتربية والصحة والشؤون الاجتماعية.
واللّافت في كلام الوزراء سواء في العروض الأولية أو في الردود على النواب، شيء من الواقعية وشيء من المبالغة أيضا.
وقد برزت واقعية عديد الوزراء في تشخيص الأوضاع الراهنة في الوزارات والمؤسسات والمنشآت العمومية الراجعة إليهم بالنظر والاعتراف بثقل التركة وصعوبة العمل وحدود الحلول المقترحة في ميزانية 2025 بحكم الاوضاع المحلية والاقليمية والدولية الراهنة والتعهد بالتجاوز في المستقبل على أسس سليمة بالاستناد على نتائج الحرب على الفساد ومباشرة الاصلاحات الكبرى..
وبخصوص المبالغة، وهي وإن كانت من ممارسات الحكم وأدواته في المطلق، فإنها تفقد جدواها في استمالة الرأي العام والتناغم مع إرادة الشعب عندما تتجاوز سقف المعقول إن جاز القول.
وهنا نستحضر على سبيل المثال ما قاله وزير التربية نور الدين النوري في تفاعله مع نواب الشعب في المجلسين من أنّ الوزارة تعمل ضمن استراتيجيتها المقبلة على ضمان التحول الرقمي الشامل للمنظومة التربوية وتطوير التعليم عن بعد وضمان تعليم جيد ومنصف ودامج بهدف استعادة المدرسة العمومية مكانتها التربوية والاجتماعية استجابة لاحتياجات المجتمع.
إن التحول الرقمي الشامل للمنظومة التربوية وتطوير التعليم عن بعد حلم مشروع، أما تقديمه اليوم كخيار ضمن استراتيجية وزارة لم تتمكن الى حد الان من ربط جميع مؤسساتها التربوية بشبكة الانترنيت ولم توفر العدد الكافي من الحواسيب لأبنائنا التلاميذ ولم تقم حسب علمنا بضبط برنامج تكوين المدرسين للتدريس عن بعد، بل هي غارقة الى اليوم في ملف ما يعرف بـ«النواب» أضف الى ذلك اعتراف الوزير نفسه بأنّ الاعتمادات المرصودة لمهمة وزارته خلال العام المقبل تقدر بـ8044 مليون دينار، الجزء الأكبر منها موجّه للتأجير والتنمية التي تشمل صيانة المؤسسات التربوية وتوفير التجهيزات، كل هذه الاعتبارات تفرض التنسيب ..!
نفس الملاحظة جلبت الاهتمام في إجابة وزير التشغيل والتكوين المهني رياض شود على تساؤلات النواب حول الانتدابات بالوظيفة العمومية حيث قال إن عديد الوزارات ستفتح باب الانتداب في سنة 2025 وأوضح أنّ هذه المناظرات لا تنظّمها وزارة التشغيل والتكوين المهني وإنّما تنظّمها كل وزارة معنية على حدة فما رأي بقية الوزارات ؟.
وتبقى صيغة المبني للمجهول وصيغة المستقبل «س» و«سوف» من أبرز ما رشح في عروض وإجابات عديد الوزراء وهي صيغ وإن كانت ايجابية ومحفّزة وباعثة للأمل، فانها تقيم الحجة على صاحبها في المستقبل، وخلال سنة فقط سيعود الوزير الى نفس المكان ليناقش رصيده ووعوده وعهوده أمام نفس النواب وأمام نفس الجمهور.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…