تقييد قروض الاستهلاك في تونس : بين قرارات البنوك الموجعة وتذمّرات المواطنين
تعيش تونس هذه الأيام على وقع النقاش العام حول ميزانية الدولة لسنة 2025 ، ومن بين الانتظارات التي تأمل في تحقيقها شريحة واسعة من الأجراء في القطاعين العام والخاص التمديد في مدة قروض الاستهلاك من البنوك التي بقيت على حالها بين 3 و5 سنوات فحسب .
هذه السياسات الجديدة التي تتبعها البنوك في مجال قروض الاستهلاك، ألقت بظلالها على الاستهلاك وتراجعه بشكل ملحوظ بما أن المؤسسات البنكية لا تمدد في عدد السنوات إلا بالنسبة لاقتناءات العقارات والمنازل لا غير .
مواصلة البنوك المحلية تقليص مدة هذه القروض إلى خمس سنوات كحد أقصى، أثار موجة من التذمر بين المواطنين الذين يعتمدون عليها لتغطية حاجياتهم اليومية أو تمويل مشاريعهم الصغيرة، حيث كان الاعتقاد سائدا أن تقليص هذه المدة يقتصر على بعض الفترات الزمنية إثر الثورة غير أن تواصل العمل بها إلى الآن تسبب في صعوبات مالية للمستهلك التونسي وأصبح عاجزا في ظل تواتر مواسم الاستهلاك الأسري وغلاء الأسعار والتضييقات التي لا يرى لها مبررا من البنوك .
الأسباب والدوافع وراء القرار
تشير مصادرنا البنكية ( أحد رؤساء فروع بنك خاص) ، إلى أن قرار العمل بالحد الأقصى بـ 5 سنوات بالنسبة لقروض الاستهلاك ،يأتي في سياق أوسع لإعادة هيكلة القطاع البنكي وتحسين نسب السيولة المالية. كما أنه يعكس التزامًا بمعايير صندوق النقد الدولي لضمان استدامة الاقتصاد الوطني وخفض مستوى المديونية. إذ تمثل قروض الاستهلاك نسبة كبيرة من إجمالي القروض ، ما يضغط على التوازن المالي للبنوك ، خاصة في ظل ارتفاع معدلات التخلف عن السداد التي تم تسجيلها سابقا .
من جهة أخرى، يعتبر محدثنا أن تونس تواجه تحديات اقتصادية جسيمة مثل التضخم المرتفع وتدهور قيمة الدينار ، وهذه العوامل دفعت المؤسسات المالية إلى تشديد سياساتها، بما في ذلك فرض شروط أكثر صرامة على الإقراض، تفاديًا لأي مخاطر مالية قد تهدد استقرارها .
التداعيات الاجتماعية والاقتصادية
هناك آثار اقتصادية واجتماعية لا يمكن التغافل عنها مهما كانت مبررات المؤسسات المالية، حيث يتذمر المواطنون من هذا التوجه ، معتبرين أن تحديد مدة القرض بخمس سنوات يزيد من قيمة الأقساط الشهرية ، مما يثقل كاهل الأسر ذات الدخل المحدود . فبالنسبة للعديد من التونسيين، قروض الاستهلاك ليست مجرد وسيلة لشراء الكماليات، بل تُستخدم اليوم لتغطية تكاليف أساسية مثل التعليم، الصحة، أو حتى سداد ديون أخرى بما أن مختلف خدمات القطاع العام أصبحت لا تلبي انتظاراته .
الموظفون ضاقت بهم السبل حيث أصبح من الصعب عليهم تحمل أقساط القرض الجديد المتراكم بالنسب المرتفعة للفوائد على عكس القروض التي تصل إلى مدة اقصاها 7 سنوات . كما أنه على المستوى الاقتصادي، أدى هذا الإجراء إلى تقلص الاستهلاك المحلي، وهو أحد المحركات الرئيسية للنمو. وقد ينعكس ذلك سلبًا على قطاعات مثل التجارة والخدمات، مما يعمق الأزمة الاقتصادية الراهنة .
ومن وجهة نظر خبراء الاقتصاد ، فإن هناك شبه إجماع على أن هذا التوجه رغم قسوته قد يكون ضروريا لضمان استقرار النظام المالي في بلادنا . ولكنهم يحذرون من غياب سياسات موازية لحماية الفئات الأكثر تضررًا .
يبقى تقييد قروض الاستهلاك في تونس موضوعًا حساسًا يعكس التحديات المتداخلة التي تواجه البلاد بين إصلاح الاقتصاد والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن. وبينما تسعى البنوك إلى تحقيق استقرارها المالي، يظل السؤال قائمًا: كيف يمكن تحقيق التوازن بين الإصلاحات الاقتصادية وضمان العيش الكريم للتونسيين؟.
دور الشركات الأهلية في تطوير السياحة الإيكولوجية : مشاريع تنتظر التفعيل في حال توفير الدعم والتسهيلات الضرورية
تمثل السياحة الإيكولوجية نموذجًا مستدامًا يتماشى مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية و…