في مجابهة الجمعيات «المارقة».. ضرورة فرز السمين من الغثّ…!
قرر القطب القضائي الاقتصادي والمالي تجميد أموال عدد من الجمعيات في علاقة بالتمويل الأجنبي وسبق ان تم اتخاذ نفس الإجراء تقريبا مع عدد من الجمعيات التي نشطت تحت يافطة العمل الخيري وتورطت وفق الابحاث الأمنية والقضائية الاولية في العمل الارهابي وفي التغرير بشبابنا وتسفيره الى ما سمي ببؤر التوتر في العالم.
وكما هو معلوم، ففي سجلات إدارة الجمعيات برئاسة الحكومة تم إحصاء أكثر من عشرين ألف جمعية بينما لم يكن هذا العدد يتجاوز التسعة آلاف قبل ملحمة 14 جانفي 2011 غير المكتملة، وهي نفس الملاحظة التي مست النقابات والبروز القوي للتعددية النقابية بما في ذلك في القطاع الأمني، وخاصة الأحزاب التي قفز عددها من 10 إلى 250 حزب أغلبها اندثر أو هو في حالة موت سريري أو «يناضل» من اجل البقاء.
وحالة التعدد والكثرة وحتى الانفلات طبيعية بعد فترة الانغلاق، لكن التحدي أو الاختبار الذي فشلت فيه الدولة والمجتمع على حد سواء هو سلامة هذا المشهد المدني والسياسي وقيام جمعيات ونقابات وأحزاب قوية تؤطر المواطنين وتكرس حقهم في المشاركة في الشأن العام وتمثل في النهاية العمود الفقري للديمقراطية التي ننشدها.
ولا ننسى عند حديثنا بشكل خاص عن المجتمع المدني، الدور الذي قامت به النقابات والجمعيات في الدولة الوطنية منذ مرحلة الاستقلال حيث كان الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا، طرفا في صياغة البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحكم انذاك ولم يكن دور اتحاد الاعراف واتحاد الفلاحين اقل اهمية من موقف نقابة الأجراء، كما مثلت الجمعيات بمختلف انواعها مدارس لتأطير الشباب والكهول ومعاضدة جهود الدولة ورفع راية الوطن في المحافل الإقليمية والدولية. وهنا نذكر على سبيل المثال دور الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أعرق منظمة حقوقية في العالمين العربي والإفريقي والتي ساهمت أجيالها الأولى في إنشاء أغلب منظمات حقوق الإنسان في دول شقيقة وصديقة كثيرة.
ان هذا الرصيد هو الذي يجعلنا اليوم ندافع عن وجود الجمعيات في المشهد التونسي والتأكيد على ضرورة التمييز بين ما يمكن أن نسميها الجمعيات العريقة الناشطة وفق القانون والأعراف في إطار العقد الاجتماعي الذي توافق حوله التونسيون والكيانات المارقة التي تورطت في الإرهاب كما أسلفنا أو طالها الفساد الذي ينخر تقريبا كل مجالات الحياة في بلادنا للأسف وهذه النقطة بالذات هي التي حرّكت على ما يبدو الجهات القضائية التي شرعت بعد في ملاحقة عدد منها.
لقد تعهدت النيابة العمومية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي منذ أشهر بالأبحاث اللازمة بخصوص ملف التمويل الأجنبي للجمعيات وذلك بالتنسيق مع لجنة التحاليل المالية والجهات المعنية وتقرر مع تقدم الأبحاث تجميد أموال وحسابات مالية وبنكية تابعة لعدد من الجمعيات وذلك استنادا الى وجود تمويلات أجنبية مشبوهة.
إن السلطة مضطرة اليوم للرجوع الى القانون الاساسي عدد 26 لسنه 2015 المؤرخ في 7 اوت 2015 المتعلق بمكافحة الارهاب ومنع غسيل الاموال ونسخته المحينة المنقحة بمقتضى القانون الأساسي عدد 9 لسنة 2019 المؤرخ في 23 جانفي 2019 ، وربما كذلك المجلّة الجزائية وغيرها من النصوص القانونية والحال ان تطبيق مقتضيات المرسوم عدد 88 لسنة 2011 المؤرخ في 24 سبتمبر 2011 والمتعلق بتنظيم الجمعيات، على علّاته ونقائصه، كان ليعفينا من بعض هذا التعفن الذي طال المشهد الجمعياتي في بلادنا.
لقد ضبط المرسوم عدد 88 رغم حدوده حقوق وواجبات الجمعيات وباعثيها ومكّن السلطة من أدوات المرافقة والمراقبة والردع لكن انفلات باعثي الجمعيات وخروجهم على النص كما يقال قابله في الجهة الأخرى ضعف كي لا نقول غياب دور الدولة وهياكلها الرقابية وثمة باب كامل يتناول المسألة المالية في الجمعيات وهو الباب السابع فيما ضبط الباب الموالي العقوبات التي يجب ان تضبط للجمعيات والتي تبدأ بالتنبيه وتصل الى الحل مرورا بتعليق النشاط بطبيعة الحال، وهذه الاجراءات والخطوات العقابية التصعيدية تبدأ من الوالي الى الكتابة العامة للحكومة الى المحاكم بكل اصنافها، فهل هناك الان ما يفيد تنفيذ وتفعيل مقتضيات المرسوم عدد 88 على امتداد عقد ونيف؟.
اننا بحاجة الى وقفة موضوعية كي نميز بين السمين والغث ، بين جمعيات لم تتأخر في القيام بوظيفتها ولم يتوان أعضاؤها في التطوع والقيام برسالتهم الانسانيه النبيلة، وكيانات أخرى قامت منذ البدء لأغراض مشبوهة أو تسرب إليها الفساد من خلال بعض أعضائها وهو ما يستوجب الفصل بين الأشخاص والمؤسسات والنظر دائما إلى مصلحة المجتمع والدولة.
في هذا الإطار يستحسن أن تتعزز المتابعة القضائية للجمعيات بتطوير النصوص التشريعية وتطهير وتطوير الآليات الرقابية حتى تقوم في المستقبل بعملها في الإبان، وتقطع الطريق أمام الفساد قبل استفحاله بشكل يؤدي للأسف إلى خيار الاستئصال بما أن العلاج والوقاية لم يتمّا في الإبان.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…