لا نجانب الصواب إذا قلنا إن تونس تعيش  مرحلة مختلفة عن كل المراحل التي مرت بها منذ أحداث 14 جانفي 2011 وكل المخاض الذي رافق الانتقال الديمقراطي والمحطات السياسية الكثيرة. فاللحظة الراهنة بالغة  الدقة وتختزل الكثير من  المعطيات المتصلة بالشأن السياسي والاقتصادي والاجتماعي وأيضا الثقافي والحضاري.

وربما لذلك أعلن رئيس الجمهورية قيس سعيد في أكثر من مناسبة «اننا نخوض حرب تحرير وطني» ولهذا لمسنا حراكا غير اعتيادي في المشهد السياسي بدأت ملامحه تتضح بشكل جليّ منذ 25 جويلية 2021.

لكن هذه الديناميكية اتخذت سرعتها القصوى مع الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية 6 أكتوبر 2024. فقد توالت القرارات غير المسبوقة من قبل رئيس الجمهورية كما تواترت الزيارات الميدانية بشكل غير مسبوق ومعاينة الأوضاع عن كثب سواء بشأن أحوال المواطنين أو وضعية المؤسسات والمنشآت العمومية وكل ما يتصل بأملاك الدولة.

وفي سياق متصل تبدو المؤسسة التشريعية كذلك تسابق الزمن من اجل تطوير القوانين والتشريعات وجعلها ملائمة لمقتضيات المرحلة الحالية التي تتطلب نجاعة وسرعة من أجل أن  يلمس المواطنون تحسّنا في أوضاعهم.

والأكيد الآن ان هناك ملفات كثيرة مفتوحة على طاولة الفاعلين السياسيين من أعلى هرم السلطة وصولا الى المناصب التنفيذية في الدواوين والوزارات والولايات والمعتمديات  بالإضافة طبعا الى الغرفتين التشريعيتين.

والواضح ان كل أجهزة الدولة أصبحت مدركة تمام الإدراك لأهمية الوقت لذلك يركض الجميع ضد عقارب الساعة لتجاوز حالة العطالة التي طبعت بلادنا طوال عقد من الزمن تقريبا حيث تدهورت كل المرافق وتراجعت أحوال المواطنين وتم المساس بأبسط حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. وهو ما يسعى الفاعل السياسي اليوم الى تلافيه وانطلاق مرحلة جديدة انفتحت فيها كل الملفات ولكنها تحوم حول عنوان واحد وهو الفساد… الفساد الذي هو العلّة بمعنى السبب الذي قاد الى كل هذا الخراب وبمعنى المرض الذي استشرى في جسد تونس وينبغي مقاومته وبمنتهى الشراسة والصرامة وتوظيف سلطة القانون لقطع دابره من الجذور.

وربما لهذا بدا الشعار الأوضح هو محاربة الفساد وقطع دابر المفسدين فإذا كانت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 الى 2021 تخشى ولوج عش الدبابير ولا تملك الشجاعة اللازمة لذلك  في افضل الحالات وبعضها كان متواطئا  ومنتفعا من الوضعية القائمة في أسوإ الحالات فإن الأكيد ان هذه المرحلة قد طويت والى غير رجعة وأن الدولة شرعت في الضرب بقوة على أيدي العابثين  وتقويض كل الأوكار الفاسدة التي عششت في كل ركن من أركان البلد معلنة بذلك نهاية عصر الإفلات من العقاب الذي دام أكثر مما يجب.

إذن يبدو الهدف واضحا الآن سواء أمام المسؤولين او حتى عموم التونسيين فاسترجاع الثقة بين المواطن والدولة وتحسين الأوضاع المعيشية للتونسي من خلال إعادة الاعتبار الى مفهوم الدولة الاجتماعية الراعية هو الغاية الاسمى الآن. والتي لن تتحقق حتما إلا بحرب ضروس على الفساد تعيد فيها الدولة بسط نفوذها من جديد بالمعنى الرمزي للكلمة بعد وضعية الارتباك والتراخي التي تواصلت على امتداد عقد من الزمن.

ومن المهم هنا التأكيد على أن عامل الوقت ليس في صالحنا فلابد من تحقيق إنجازات فعلية على ارض الواقع تكون استجابة لانتظارات المواطنين الذين كاد صبرهم أن ينفد وتجعل تونس تحقق إقلاعها المنشود بعد التراجع الكبير الذي عرفته.   

وهكذا فإن كل هذه الملفات تصب في اتجاه واحد وهو ضرورة  تطوير السياسات العامة الكبرى في البلاد في كل المجالات من أجل جعل الشعار الذي يسم هذه المرحلة يتجسم على أرض الواقع.

فالبناء والتشييد ينبغي ان يكون حقيقة ملموسة يرصدها المواطن في يومياته  ويلمس تأثيرها الإيجابي على معيشه  ومقدرته الشرائية وجودة حياته وليس مجرد شعار سياسي يرفع فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن المنظومة التربوية مرة أخرى..

هل بدأنا نحصد ما زرعناه ومن يزرع الشوك يجني الجراح كما قال شاعرنا الخالد أبو القاسم الشابي…