2024-11-17

بكل هدوء : النقل واهتمام الضرورة

تشهد تونس اهتمامًا متزايدًا بقطاع النقل إذ يعتبر هذا القطاع ركيزة أساسية لتنمية البلاد وتحريك الدورة الاقتصادية، فضلاً عن دوره في تلبية حاجات المواطنين اليومية بتوفير وسيلة نقل مريحة وآمنة. إلا أن واقع النقل العمومي يواجه تحديات جمة، تتراوح بين البنية التحتية المهترئة وتهالك وسائل النقل التي لم تعد تستوفي شروط السلامة، بالإضافة إلى عدم توفر قطع الغيار وغياب الصيانة المنتظمة، ما جعل هذا القطاع غير قادر على تلبية احتياجات المواطنين في كافة أنحاء البلاد.
تدهور هذا القطاع أثّر بشكل مباشر على جودة الحياة اليومية للتونسيين وأدى إلى خلق حالة من التوتر نتيجة نقص خدمات النقل العمومي، لا سيما في المناطق الداخلية التي تعاني من ضعف التغطية وقلة البدائل.
ولعله لذلك يمكن ان نضع هذا الاهتمام بقطاع النقل في هذه الفترة تحت عنوان «النقل واهتمام الضرورة» وهو توجه يعكس رؤية شاملة للتعامل مع هذا القطاع كضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية وتحسين جودة الحياة للمواطن. اذ لم يعد النقل مجرد وسيلة للتنقل بقدر ما بات عنصراً أساسياً لدعم الاقتصاد، وتسهيل النشاطات التجارية، وتوفير الراحة والأمان للمواطن التونسي. كما أن وضعية قطاع النقل اليوم تثير القلق، حيث يعاني من مشاكل جسيمة تشمل تهالك البنية التحتية، وقدم وسائل النقل، ونقص الصيانة، مما يجعله عاجزًا عن تلبية حاجيات المواطنين ورفع مستوى الخدمات إلى المستوى المطلوب.
ولطالما كان قطاع النقل حيويًا في دفع عجلة التنمية الاقتصادية في تونس، خاصةً في ما يتعلق بربط المناطق الداخلية بالمراكز الحضرية وتعزيز التجارة الداخلية والخارجية. لكن تدهور هذا القطاع أدى إلى اختناق اقتصادي وتباطؤ في النمو، خاصةً في المناطق الأقل حظاً التي تعاني من نقص حاد في خدمات النقل العام ووسائل الربط السريعة. وبالتالي فان الجهود الرامية إلى إصلاح هذا القطاع كجزء من استراتيجية وطنية تسعى إلى تحسين البنية التحتية وإدخال تحديثات جوهرية ترفع كفاءة النقل ستعيد بالضرورة تنشيط الدورة الاقتصادية، بما يتماشى مع طموحات الدولة لتحقيق تنمية مستدامة ومتوازنة.
وبما ان النقل العمومي يمثل عنصراً مهماً في حياة المواطنين اليومية، خاصةً لأولئك الذين يعتمدون عليه بشكل رئيسي للتنقل بين أماكن العمل والدراسة والخدمات. في مقابل وضع حالي يتمثل في تدهور وسائل النقل، وضعف التغطية، وتأخر المواعيد، جعل من التنقل عبءاً إضافيًا على المواطن، يثقل كاهله ويزيد من مستوى التوتر والضغوط الحياتية، فإن توفير خدمات نقل عام آمنة ومريحة لا يعد رفاهية، بل هو حق أساسي يكفله الدستور التونسي، ويعد تحقيق هذا الحق من أولويات الحكومة التونسية في الوقت الحالي.
وأهم ضرورة للاهتمام بقطاع النقل هو الوعي بانه وصل إلى مرحلة تتطلب تدخلاً عاجلاً لإعادة تأهيله وإصلاحه من الجذور. فالتهالك الكبير في البنية التحتية للنقل وتآكل الأسطول من الحافلات وعربات المترو وغياب الصيانة اللازمة يجعل هذا القطاع في حالة «حضيض» حقيقية. وقد زادت الأعطال المتكررة وتأخر الصيانة في التأثير على سلامة الركاب، ما يدعو إلى إطلاق عملية إنقاذ شاملة تعيد القطاع إلى حيويته وتضمن كفاءته.
هذا «الاهتمام الضروري» ليس مجرد اختيار، بل هو فرض تفرضه الظروف الملحة لتحسين قطاع النقل. ومن هنا تأتي دعوات الدولة التونسية التي تتبناها رئاسة الجمهورية، حيث يجري العمل على تخصيص الميزانيات اللازمة، وتبسيط الإجراءات لتعجيل استيراد الحافلات وعربات المترو الجديدة، وتوجيه اهتمام خاص إلى مكافحة الفساد والبيروقراطية في صيانة المعدات والبنية التحتية.
تحت عنوان «النقل واهتمام الضرورة» تشهد تونس بداية رؤية جديدة نحو قطاع النقل تهدف إلى إعادة بنائه ليصبح عنصراً دافعاً للنمو والتنمية الاجتماعية. إذا ما تحققت هذه الرؤية فإن تحسين النقل سيعمل على تعزيز الاقتصاد ورفع مستوى الخدمة للمواطن ويعيد الثقة في المرافق العامة في خطوة تفتح آفاقاً جديدة نحو بناء تونس الحديثة والمنتجة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

المشروع الاجتماعي لقيس سعيّد رؤية جديدة في مواجهة التحدّيات المحلية والعالمية

في خضم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بتونس، يبدو المشروع الاجتماعي الذي يطرحه ا…