رغم الإجراءات الجديدة التي اتخذتها وزارة التربية : القوانين وحدها لا تكفي للقضاء على الدروس الخصوصية
تعد المنظومة التربوية أحد الأسس الرئيسية في بناء المجتمع وتطويره، إلا أن الواقع في تونس يكشف عن تراجع مستوى التعليم ما يجعل بلادنا تواجه تحديات إصلاح كل مفاصل المنظومة التربوية، وقد جددت وزارة التربية مؤخرا تحذيرها من تقديم المدرّسين العاملين بمختلف المؤسسات التربوية العمومية دروسا خصوصية خارج المؤسسات التربوية الرسمية مشددة على ضرورة التقيد بمقتضيات القانون الصادر عام 2015 بشأن تنظيم دروس الدعم والدروس الخصوصية داخل هذه المؤسسات.
ورغم أن القانون يسعى إلى تنظيم الدروس الخصوصية في المدارس العمومية إلا أن هذه الظاهرة تفاقمت حيث يعاني العديد من التلاميذ من نقص الفهم والاستيعاب داخل القسم بسبب عدة عوامل ما يدفع التلاميذ وأولياءهم إلى البحث عن بدائل كاللجوء إلى الدروس الخصوصية خارج النظام الرسمي.
فرغم العقوبات التي فرضتها وزارة التربية، والتي تشمل الإيقاف التحفظي عن العمل والإحالة على مجلس التأديب وحتى عقوبة العزل، يبقى اللجوء للدروس الخصوصية خارج الإطار القانوني أمرا شائعا بسبب الظروف المتدهورة في المدارس.
ويعتمد نجاح أي قانون على ملاءمته للواقع وقدرته على حل المشاكل، إلا أن غياب الإصلاحات الفعلية على مستوى المنظومة التربوية يقوّض فعالية القوانين في هذا الإطار. في المقابل تشكو المنظومة التربوية في بلادنا من البنية التحتية الكافية و من نقص في الموارد البشرية ما يعيق تقديم تعليم بجودة عالية داخل الأقسام ويخلق إقبالا كبيرا على الدروس الخصوصية.
كما تبرز صعوبة تطبيق القوانين في ظل ضعف الرقابة وعدم قدرة وزارة الاشراف على ضبط جميع المدرّسين الذين يقدمون دروسا خصوصية خارج المؤسسات التربوية. وغالبا ما تتم هذه الدروس في إطار السرية ، ما يجعل تتبعها أمرا شبه مستحيل. إضافة إلى ذلك، و في ظل تدني الأجور وضعف دخلهم الرسمي يجد بعض المدرسين أنفسهم مضطرين إلى تقديم هذه الدروس لتغطية احتياجاتهم المادية.
تبقى القوانين لوحدها غير كافية لحل مشكلات التعليم رغم أن إصدار القوانين خطوة مهمة في تنظيم القطاع، إلا أن ضمان جودة التعليم يتطلب إصلاحا شاملا وعميقا.
وفي ظل هذا الواقع، يصبح الإصلاح الهيكلي للمنظومة التعليمية ضروريا لمعالجة الأسباب الحقيقية التي تدفع التلاميذ نحو الدروس الخصوصية. وتحتاج المنظومة التربوية إلى استثمارات حقيقية لتحسين البنية التحتية وتوفير المعلمين المؤهلين وتطوير المناهج البيداغوجية مع تعزيز برامج التكوين المستمر للمدرسين بهدف الرفع من جودة التعليم وتقليل عدد التلاميذ بالأقسام لضمان توفير بيئة تعليمية تفاعلية.
كما يعتبر دعم الحكومة ضروريا في إصلاح التعليم من خلال دعم البرامج التي تساهم في تقليل الاعتماد على الدروس الخصوصية من خلال تعزيز الدروس التكميلية داخل المؤسسات التربوية وتقديم دعم إضافي للتلاميذ الذين يواجهون صعوبات تعليمية. وبهذه الطريقة، يمكن تحويل النظام التربوي إلى منظومة قادرة على تقديم تعليم ذي جودة دون الحاجة إلى حلول أخرى تؤرق الولي والتلميذ على حد سواء .
تظل مشكلة الدروس الخصوصية مؤشرا على أزمة عميقة في المنظومة التربويّة، تعكس ضعف المنظومة التربوية وتؤخر الإصلاحات اللازمة. فالقوانين وحدها لن تكون كافية ما لم يتم تعزيزها بسياسات إصلاح عميقة تعالج الأسباب الحقيقية لمشاكل المنظومة وتوفر بيئة ملائمة تحقق العدالة والتكافؤ. والتحدي الأكبر أمام وزارة التربية اليوم يتمثل في إعادة بناء منظومة تربوية جاذبة ومتكاملة تضمن لكل التلاميذ فرصا متساوية للتعلم والمعرفة .
نقائص حادة في البنية التحتية للمؤسسات التربوية : أزمة تهدّد جودة التعليم في المدن… والأرياف أشدّ قسوة
ما تزال البنية التحتية للمؤسسات التربوية في تونس تمثل إحدى المسائل الرئيسية التي تعيق تطوي…