وزير الفلاحة يعلن عن رؤية استراتيجية للسيادة الغذائية : تحدّيات كبرى… وخطط تحتاج إلى دعم واستثمار
في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الفلاحي، من تغيّرات مناخية وضغوطات اقتصادية وصعوبات مالية، تتعاظم الحاجة إلى استراتيجيات شاملة تضمن الأمن الغذائي وتحقيق السيادة الغذائية. وفي إطار مناقشة ميزانية وزارة الفلاحة لسنة 2025 خلال الجلسة العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم، أكد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، عز الدين بالشيخ، على أهمية تعزيز المنظومات الفلاحية وتحقيق التنمية المستدامة للقطاع.
تصريحات الوزير حملت إشارات واضحة نحو مراجعة السياسات الحالية ودفع عجلة الإصلاحات الهيكلية، لتشمل برامج استراتيجية للحبوب، تعزيز الإنتاج المستدام، وإفراد القطاعات الحيوية كالحبوب والتمور وزيت الزيتون ببرامج خصوصية تواكب مستجدات البحث العلمي والتكنولوجيا الحديثة.
وقد أكد وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، عز الدين بالشيخ، خلال الجلسة العامة، أن ميزانية وزارة الفلاحة لسنة 2025 بلغت 2279 مليون دينار، مسجلةً تطورًا بنسبة 3% مقارنة بالسنة الفارطة. وأشار إلى أن القطاع الفلاحي يساهم بنسبة 10% من الناتج الداخلي الخام، ويرفع من قيمة الصادرات الوطنية بنسبة 12%، مما يسهم في تقليص عجز الميزان التجاري.
وفي ذات السياق أعلن الوزير أن القطاع الفلاحي يتجه لتحقيق السيادة الغذائية عبر تكريس فلاحة عصرية ومستدامة، ضمن رؤية استراتيجية تمتد إلى أفق 2035. وتهدف هذه الرؤية إلى تحسين مردودية المنظومات الفلاحية ودعم الصحة النباتية والحيوانية، بما يضمن ديمومتها ورفع جودتها وفق المعايير الصحية العالمية.
وأضاف أن تطوير الإنتاج الفلاحي سيرتكز على تعزيز خصوبة الأراضي واستغلال مياه الأمطار بفعالية، مع التركيز على الإنتاج الفلاحي البيولوجي، الذي بات جزءًا أساسيًا من الاقتصاد المحلي والوطني. كما أشار إلى أهمية الرقمنة في تحسين الأداء، إذ تم الشروع في رقمنة منظومات فلاحية مثل الحبوب لتعزيز حوكمتها.
وشدد الوزير على أهمية إفراد القطاعات الاستراتيجية كالحبوب، والتمور، وزيت الزيتون ببرامج خصوصية تعتمد على البحث العلمي لمعالجة الإشكاليات التي تواجهها، وتحسين إنتاجيتها. وبيّن أن هذه البرامج ستركز على الإنتاج المستدام الذي يحافظ على الموارد الطبيعية، ويستغل التقنيات الحديثة.
وفي قطاع المياه، كشف الوزير أن مجلة المياه باتت في مراحلها النهائية وسيتم عرضها قريبًا على مجلس الوزراء ثم إحالتهما على البرلمان. وأكد على الجهود المبذولة لتحسين أداء المناطق السقوية، خاصة في قطاعات التمور والقوارص، مع التوسع المدروس في استخدام المياه المعالجة.
ولفت وزير الفلاحة الى أنّه رغم الصعوبات ما يزال القطاع الفلاحي ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني، اذ يوفر حوالي 14 بالمائة من فرص التشغيل بما يقارب 60 الف موطن شغل في قطاع الصيد البحري. ويستقطب القطاع نحو 7،1 بالمائة من الاستثمارات الجملية في البلاد.
في هذا السياق أكد رئيس لجنة الفلاحة بالبرلمان، صلاح الفرشيشي، في تصريح خاص لـ«الصحافة اليوم»، أن قضية السيادة الغذائية هي واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه تونس في ظل الأوضاع الاقتصادية والمناخية الراهنة. وأوضح أن البلاد تعتمد بشكل كبير على استيراد الحبوب والبذور وحتى الأبقار المنتجة للحليب، مما يجعل تحقيق السيادة الغذائية هدفًا صعب المنال، خاصة مع تداعيات التغير المناخي وانخفاض معدل الأمطار، مشيرًا إلى أن زراعة الحبوب تعتمد بنسبة كبيرة على الطقس الذي يتحكم في الإنتاج.
الفرشيشي اعتبر أن استغلال الصحراء التونسية لزراعة الحبوب يمكن أن يكون حلًا استراتيجيًا، على غرار تجارب الجزائر وليبيا. وأشار إلى أن هناك تجارب سابقة لزراعة الحبوب في الصحراء، حيث تمت زراعة 5 هكتارات مروية، ومن المنتظر التوسع إلى 50 هكتارًا هذا العام. لكنّه شدد على أن تحقيق الأمن الغذائي في هذا المجال يتطلب استراتيجية طويلة الأمد تشمل توفير التمويلات الضخمة، حفر الآبار العميقة، وتشجيع الفلاحين عبر دعم ملموس وليس مجرد وعود.
كما أشار الفرشيشي إلى أن الأزمات التي يعانيها القطاع الفلاحي تتجاوز الحبوب لتشمل الألبان والخضروات، حيث وصف الدعم المخصص لتجديد قطيع الأبقار بـ«الضعيف جدًا»، موضحًا أن سعر لتر الحليب الحالي لا يغطي تكلفة الإنتاج، مما أدى إلى عزوف الفلاحين عن التربية والإنتاج. أما بالنسبة للخضروات، فقد أوضح أن انخفاض الإنتاج يعود إلى خسائر سابقة تكبّدها الفلاحون بسبب تسعيرات الدولة التي لا تغطي التكاليف، كما هو الحال مع البطاطا.
ويقترح الفرشيشي عددا من الحلول التي تهدف الى تحقيق السيادة الغذائية، من ذلك تحرير الإنتاج الفلاحي وتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مدعومة، مع البحث عن حلول مبتكرة للتعامل مع فائض الإنتاج من خلال التخزين أو التصدير. واعتبر ان الاستثمار في القطاع الفلاحي، لا سيما في زراعة الحبوب بالصحراء، يمكن أن يساهم في تقليص التوريد وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إذا توفرت الإرادة السياسية والتمويل اللازمين.
وإجمالا، شدد الفرشيشي على أن الوضع المالي الحالي للبلاد يجعل الاستثمار في القطاع الفلاحي محدودًا جدًا، وأن الأولوية تكمن في المحافظة على المنظومات الإنتاجية القائمة، مع البحث عن حلول طويلة الأمد لإعادة إحياء القطاع وضمان استدامته.
ارتفاع تحويلات التونسيين بالخارج لفائدة احتياطي العملة الصعبة: مؤشرات إيجابية ..في انتظار تحقيق التوازن التام
سجّل الحجم الاجمالي لإعادة تمويل البنك المركزي التونسي للسوق النقدية تراجعا بنسبة 23 بالما…