2024-11-13

عن تناسل الملفات وتداعي بعض القطاعات : المشاكل صعبة والحلول لا تبدو يسيرة

خطوات هامة وقع قطعها في فتح ملفات قطاعات استراتيجية ذات أهمية بالغة للبلاد وللاقتصاد، مثال هنشير الشعال والخطوط التونسية والنقل الحديدي والقطاع التربوي والاعلام وغيرها من القطاعات التي يمكن القول انها باتت أزمات تتناسل من بعضها، وقطاعات تتداعى بسرعة.

هذه الخطوات هي بداية الخيط لازمات في قطاعات أخرى لا تقل أهمية عن سابقاتها، كالفولاذ ومعامل الاسمنت، والبناء، والانشاءات العقارية، والسكنى، والملك العمومي البحري، واراضي الدولة، والستاغ والاوناس، وحتى الجامعات والمعاهد العليا، وكل مناحي النشاط الذي يعاني تركة عقود من الفساد والافساد، زادتها عشرية التسيب تنويعا وتطورا في كيفية الاستيلاء على المال العام، وفي التهرب الجبائي، وفي تحطيم القدرات الذاتية للمؤسسات ودفعها دفعا نحو الافلاس والتّفويت، واستيلاء الحيتان الكبيرة عليها أو على نشاطها وامتيازاتها.

والسؤال الذي يطرح نفسه منطقيا هو هل البلاد قادرة على حسم هذه الملفات دفعة واحدة ام انها ستسير فيها بالتدرّج وعلى مراحل حسب الاهمية او حسب نضج الملفات؟ وهو سؤال يولّد اسئلة أكثر من ضرورية خاصة حول كيفية المعالجة، فالرأي الغالب الان في الاوساط السياسية والاعلامية وحتى عند الراي العام، هو المعالجة بالعقاب، مع ما يصاحب أخبار الايقافات في كل مرة من مظاهر الفرح والارتياح. في حين يرى آخرون ان هذه الازمات لا يمكن ان تعالج بالسجن والردع فقط، بل برؤية استراتيجية واضحة للانقاذ، يتم اعتماد خطوطها العريضة في المعالجة الشاملة وتبقى التفاصيل لمعالجة كل ملفّ على حده. وهو رأي يتطلب وقتا وجهدا.

آخرون يرون أيضا ان أهم ما يجب تكريسه الان، خلال هذه الحملة على الفساد والفاسدين، هو الشفافية في المعالجة، حتى يتحوّز المواطنون على ثقة تامة في ان الدولة فعلا تكافح الفساد، وانها فعلا عازمة على الانقاذ والاصلاح، خاصة وان كثيرا من هذه الشعارات مرت عليهم سابقا مع حكومات أخرى وفي فترات أخرى، دون ان تحقق شيئا على أرض الواقع.

وكي لا يتناسل الفساد كما تتناسل الازمات وكما تتناسل الملفات، على الحكومة ان تكون واعية بان كشف ملف، أو سجن فاسد، او ايقاف مجموعة، او ضرب وفاق، ليست هي الحلول السحرية التي تنهض بالبلاد وتنهض بالاقتصاد، بل هي فقط خطوات ردعية للحد من تغول الفاسدين، وهي أيضا عين حمراء يشهرها القانون في وجه من يعتقد ان سرقة المال العام مازالت متاحة وان السبيل اليها لازال سالكا.

فمواجهة هذه الملفات بالتدريج، وببطء يولّد بلا شك طرقا جديدة لتحصّن الفاسدين، ويمكن آخرين من الهروب، وربما يخلق طرقا جهنمية لا تخطر على بال للافلات، في حين ان مواجهتها دفعة واحدة قد يخلق بدوره أزمات غير متوقعة وفراغات اقتصادية قد تعجز الدولة عن ملئها خاصة في ظرفها الاقتصادي الحالي.

وهنا لا بد من وضع استراتيجيات متكاملة تضمن المكافحة والانقاذ في نفس الوقت، فاصلاح مؤسسة لا يمكن ان يكون بوضع المسؤول الاول عنها في السجن، بل لا بد من انقاذها بالكامل ووضعها على المسار السليم حتى تساهم بدورها الاقتصادي والاجتماعي، وفي نفس الوقت تحصّن نفسها ذاتيا ضد عودة الفساد، وتحمي نفسها ونشاطها والعاملين فيها من تكرار الوقوع في شرك الفساد والفاسدين.

وهذه الملفات تتطلب انخراط كل القوى الفاعلة في العملية، وتتطلب بالخصوص شفافية ووضوحا في المكافحة، فالمعالجة يجب ان تكون استراتيجية، واضحة، وحاسمة، وحازمة، حتى لا يذهب البريء بذنب المذنب، وحتى تستطيع الحملة ان تحقق أهدافها، وان تعالج هذه الازمات بتروّ وبقوة عزيمة وقدرة على اجتراح الحلول لأعقد الازمات، وفي أعقد الظروف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

لضمان الأمن الغذائي في ضرورة الرفع من الدعم الاستثنائي للفلاحة..

في كلمته الجمعة، في افتتاح الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجه…