2024-11-13

بكل هدوء : حديث في الصحة

لا أحد يمكنه ان ينكر اليوم في تونس  ان قطاع الصحة العمومية يعاني من مشاكل عديدة أضعفت خدماته وقوضت ثقة المواطنين به، حيث بات كثير من المواطنين يشعرون بأن القطاع الخاص أصبح الملجأ الوحيد للحصول على خدمات طبية معقولة، رغم التكلفة الباهظة لذلك. فقد أدت هذه الصعوبات إلى تزايد الاعتماد على القطاع الخاص واستنزاف ميزانية الأسر وصناديق التأمين على المرض، مما تسبب في تفاقم الأعباء المالية على الدولة والمواطنين على حد سواء.

وفي الواقع، مشكلات القطاع الصحي العام في تونس متنوعة ومعقدة، تشمل تراجع البنية التحتية في العديد من المستشفيات العامة ونقص التجهيزات الحديثة ونقص الإطار الطبي وشبه الطبي الكفء. حيث يعاني المواطنون في المناطق الداخلية، تحديداً، من نقص كبير في المستشفيات المجهزة والأطر الطبية المتخصصة، مما يزيد من معاناتهم ويجعل الحصول على الخدمات الصحية اللائقة أمراً بالغ الصعوبة. هذا الواقع جعل تحسين الخدمات الصحية وتقريبها إلى المواطنين ضرورة ملحة لتحقيق العدالة الاجتماعية وتكريس الحق في الصحة الذي يكفله الدستور.

ولعله لذلك، اتجهت تونس مؤخراً نحو اتخاذ خطوات لمعالجة هذه التحديات، مثل إنشاء مستشفيات ميدانية وتجهيز المرافق الصحية في الجهات الداخلية، سعياً لتقليل الفجوة بين المناطق الحضرية والريفية. غير أن هذا لا يكفي وحده، حيث تحتاج البلاد أيضاً إلى معالجة أسباب هجرة الأطباء والممرضين من القطاع العام إلى الخاص، أو حتى الى خارج البلاد. وهي مشكلة تعود إلى عوامل عديدة، منها غياب الظروف المواتية للعمل وانخفاض الأجور مقارنة بالقطاع الخاص، إضافة إلى نقص التدريب والتطوير المهني. لذلك، يشكل إيجاد حلول للحفاظ على الكفاءات الطبية وإعادة تأهيل البنية التحتية الصحية وتوفير الموارد اللازمة أساساً لأي إصلاح ناجح ومستدام في قطاع الصحة العمومية.

وفي إطار جهود الإصلاح، يحتاج القطاع الصحي العام إلى برامج مبتكرة للتعاون بين القطاعين العام والخاص بحيث تُحسن من كفاءة الخدمة العامة وتخفض من العبء الملقى على كاهل المواطن. علاوة على ذلك، يتعين على الدولة وضع خطط استراتيجية لتطوير البنية التحتية الصحية وتحديث المستشفيات وتجهيزها بتكنولوجيا حديثة تدعم جودة الرعاية الطبية. كما يمكن أن تساهم الحوافز المالية والمعنوية في الحفاظ على الكوادر الطبية وتشجيعها على البقاء في القطاع العام وخدمة المواطنين.

باختصار، إن الحفاظ على قطاع الصحة العمومية وتعزيزه أولوية قصوى يجب أن تستثمر فيها تونس، ليس فقط للحفاظ على صحة المواطنين، ولكن أيضاً لتأمين حق دستوري أساسي وتحقيق العدالة الاجتماعية، بما يخدم استقرار المجتمع التونسي ورفاهيته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

للقطع مع ممارسات الماضي ومؤسساته : تونس ورؤية الهدم وإعادة البناء

تواجه تونس اليوم خياراً استراتيجياً في مسارها التنموي يتمثل في كيفية إعادة بناء الدولة وتح…