إرادة سياسية راسخة للنهوض بها : الصحة العمومية.. أمن إنساني وقومي
تعيش بلادنا على وقع مفارقة عجيبة، انجازات غير مسبوقة في مجال الصحة واكتشافات طبية يتحدث عنها القاصي والداني وعمليات جراحية دقيقة لم تعرفها الدول المتقدمة أضف الى ذلك استمرار كليات الطب والصيدلة ومدارس الصحة في تخريج دفعات من الكفاءات التونسية التي يلتحق بعضها بسوق الشغل المحلية في حين تتخاطف دول كثيرة البعض الاخر وتغريه للعمل والبقاء فيها، وفي المقابل تذمّر وإقرار من عموم التونسيين ومن أعلى هرم السلطة بأن الأمور ليست على ما يرام وأن الوقت حان للتحرّك.
وبرزت في غضون ذلك ظاهرة سلبية لم تعد خافية على أحد ولم يعد بمقدور أحد السكوت عنها لأنها كرّست الفوارق في المجتمع وأصبحنا نتحدث للأسف عن صحة للأغنياء وأخرى للفقراء، عن مصحات خاصة توفر خدمات راقية ومكلفة بل ومجحفة للمرضى في أحيان كثيرة وغير مضمونة النتائج بالضرورة، ومستشفيات عمومية أقل ما يقال فيها أنها لا تليق بتونس بعد سبعة عقود من الاستقلال وقيام الدولة الوطنية ولا تليق بالتالي بمواطنيها وبالقائمين على حكمها.
ويكفي هنا القيام بجولة قصيرة في بعض المستشفيات في العاصمة وداخل الجمهورية للوقوف على مدى حدود الخدمات كي لا نقول رداءتها، ومعاناة الجميع فيها وليس المواطنين فقط، ففي عديد الحالات يتحول الاطباء والممرضون والأعوان بجميع أصنافهم الى ضحايا العنف اللفظي وحتى المادي لانهم لم يكونوا قادرين على تلبية انتظارات المرضى ومرافقيهم، وهنا لا يمكن قبول التجاوزات حتى وان اعترفنا بأنه ليس من المعقول ان نرحّل موعد تحليل أو صورة أو موعد مع طبيب مختص لأشهر وأحيانا لأكثر من سنة فمن يضمن حياة المريض طول هذه الفترة؟
إن الموجود ليس مرضيا كما أسلفنا، لكننا عندما نربط ظروف العمل وواقع الصحة العمومية وهذه الامكانيات المحدودة بكفاءة الإطار الطبي والصحي عموما وما يُحقّق يوميا من معجزات أجل من معجزات تنقذ حياة الآلاف من التونسيين ونستحضر دروس الحرب على جائحة الكوفيد قبل سنوات على سبيل المثال ومسارعتنا بمدّ يد العون الى دولة متقدمة مثل ايطاليا، نقول أن تثوير قطاع الصحة ليس غاية صعبة المنال وأن الصحة العمومية هي مسألة أمن إنساني وقومي.
أمن إنساني، لأنه ليس ثمة أغلى من حياة بني البشر ولكل إنسان في هذا السياق الحق في الصحة، وأمن قومي لأن الأمراض والأوبئة مخاطر داهمة تهدّد الدول وسيادتها واستقلالها ومستقبل أبنائها.
وحسنا فعل رئيس الجمهورية قيس سعيّد بطرح هذا الاستحقاق، استحقاق إنقاذ الصحة العمومية في هذا الظرف بالذات خلال لقائه أول أمس الاثنين بقصر قرطاج بوزير الصحة مصطفى الفرجاني والتأكيد على ضرورة إعادة بناء قطاع الصحة العمومية بكل مكوناته.
إننا بالفعل بحاجة ملحّة لإعادة بناء هذا المرفق العام مثله مثل مرفق التعليم والنقل حيث إهدار المال العام وإهدار الطاقات البشرية دون الوصول الى تقديم خدمات في مستوى انتظارات التونسيين.
وللأسف لا تشذ قرية أو مدينة عن الأخرى في سوء وتعثر الخدمات لذلك ربما دعا رئيس الدولة إلى التكثيف في توجيه عدد من الفرق الطبية إلى عديد الجهات مع إحداث مستشفيات ميدانية ووحدات صحية متعددة الاختصاصات وفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية وهذا في تقديرنا حلّ عاجل وضروري يجب ان يكون مرفوقا بمقاربة شاملة وخطة مرحلية تأخذ بين الاعتبار حاجيات الناس وامكانيات الدولة.
ومثلما أشرنا إلى ذلك في عديد المناسبات ووعيا أيضا بوجاهة مقولة المال قوام الأعمال، فإن إعادة البناء تستوجب، الى جانب توفر الارادة السياسية والسياسة العمومية المناسبة، البحث عن التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتوفير الاعتمادات الضرورية والاسراع بإقرارها في ميزانية الدولة وإعلام المواطنين بها وتشريكهم في مختلف محطات البناء وتقاسم التضحيات من أجل نجاح هذا البناء ولا نخال أن ذلك بعزيز على التونسيين.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…