من أين نبدأ لمجابهة كمّ الخراب الذي لحق بالدولة التونسية؟
سؤال يتبادر الى ذهن عموم التونسيين وهم يكتشفون كل يوم وكرا من أوكار الفساد ويذهلون من هول ما يشاهدونه كما يحدث في قصص الخيال العلمي. ودوائر الحيرة والسؤال تكبر كل يوم عن مدى التغلغل الرهيب للفاسدين في كل مفاصل الدولة التي من الواضح انها لم تكن محصّنة ضد الجراثيم والفيروسات التي تفشت في جسدها وأنهكته فكثرت علله وأمراضه.
نحن الآن امام مشاهد أقرب الى السريالية حيث مع كل زيارة ميدانية يقوم بها رئيس الجمهورية الى ولاية من ولايات الجمهورية يفتح الستار على قضايا فساد بالجملة والتفصيل وينكشف أمر المفسدين تباعا.
وآخر الزيارات التي قام بها رئيس الدولة كانت الى ولاية سوسة حيث توجه بداية الى هنشير النفيضة الذي هوعلى ملك الدولة إحياء لذكرى عيد الشجرة وتفقد أجزاء هذا المركب العقاري المهم ثم زار أيضا مسرح سوسة.
ولسنا هنا نحتاج الى ذكاء وقّاد لندرك ان خيوط الفساد حيكت هنا أيضا مثل باقي المناطق التي زارها الرئيس قيس سعيّد فقد وقف عند حجم الخراب الممنهج الذي تعرضت له الدولة التونسية على ايدي البعض من أبنائها المارقين عن القانون.
إذن عاين رئيس الجمهورية الخراب الذي لحق بهنشير النفيضة وبكل مركباته التي تحولت الى أثر بعد عين كما يقال بعد ان كان يتوفر على مساحات مخصصة للأعلاف والخضروات والأشجار المثمرة الى جانب عشرات الآلاف من أشجار الزيتون بالإضافة الى تربية الدواجن والأبقار والخرفان ثم محطة تكييف ولف منتوجات معدة للتصدير.
والأكيد ان من يقارن بين ما هو عليه حال هنشير النفيضة اليوم وما كان عليه من قبل يقف على مفارقة عجيبة أصبحت ملمحا أساسيا من ملامح المشهد التونسي في العقد الأخير فأحوال كل المؤسسات والمنشآت العمومية لا تختلف في شيء عما تابعناها في هذه المنطقة وهو أيضا انعكاس لأحوال التونسيين وما ألمّ بهم طوال عقد ونيف من المكابدة جراء تكالب الطامعين والطامحين على أملاك الدولة التي تعاملوا معها بمنطق البقرة الحلوب حتى استنزفوا كل مقدراتها وتركوا الشعب التونسي يواجه مصيرا قاتما تجلى في مكابدة يومية.
وفي سياق متصل زار رئيس الجمهورية مسرح سوسة ولم يكن الوضع افضل مما هو عليه في هنشير النفيضة حيث طال التخريب هذا المعلم المهم نظرا لكون الدراسات العلمية المتصلة به لم تكن موفقة كما لم تتم متابعة هذا الملف على الوجه الأكمل. كما تحوّل هذا الفضاء الذي يفترض انه مكان للثقافة والترفيه يرتاده الجمهور من كل الفئات للاستمتاع بعروض فنية راقية ومسلّية الى وكر للفساد يرتاده المنحرفون لتعاطي المخدرات ويختبئ فيه اللصوص والمارقون عن القانون.
ومن الطبيعي هنا أن رئيس الجمهورية يحمّل المسؤوليات لأصحابها وذلك على إثر ما عاينه بنفسه من مظاهر فساد وإخلالات بالجملة سواء في هنشير النفيضة او في مسرح سوسة.
فمعلوم ان كل زيارة من هذا النوع هي بمثابة وكر جديد من اوكار الفساد يتم تقويضه والقضاء عليه في إطار الحرب التي تخوضها الدولة على الفاسدين والتي بدأت تحقق تدريجيا نتائجها بتقليم اظافرهم وقطع دابر كل المتعاونين معهم.
وفي هذا الصدد أمر رئيس الجمهورية قيس سعيّد بفتح تحقيق بشأن كل مظاهر الفساد التي عاينها عن كثب وذلك حتى يتحمل كل مسؤوليته فكل من يثبت القضاء ضلوعه في نهب أموال الشعب والاتجار بعرق العمال لابد ان ينال جزاءه. ولا مجال للإفلات من العقاب بعد اليوم.
قطار التنمية ينبغي أن ينطلق الآن..
لقد انتظر التونسيون أكثر مما يجب وآن الأوان لوضع نقطة النهاية لكل مظاهر العطالة في المجال …