الحرب على أباطرة المخدرات : هل تكفي المقاربة الأمنية لوحدها لتطهير المجتمع من هذه السموم ؟
تواصل الوحدات الأمنية من مختلف الأسلاك تنفيذ عمليات نوعية وواسعة النطاق للإطاحة بمروجي المخدرات والعناصر الاجرامية الخطيرة الذين عاثوا في البلاد واكثروا فيها الفساد مستبيحين بوسائلهم المختلفة الحرم المدرسي ومختلف الفضاءات الأخرى من اجل ترويج سموم المخدرات التي باتت منتشرة بشكل مهول وتهدد السلم والاستقرار الاسري والمجتمعي.
ويتواصل العمل مكثفا على مدار الساعة لتفكيك شبكات ترويج المخدرات وتسيير دوريات مستمرة في كل مناطق البلاد خلال هذه الفترة بطلب رئاسي حيث توجت هذه الحملات بإيقافات شملت أكثر من مائتي متهم في هذه الجرائم الخطيرة، بينها الاتجار في «الكوكايين» و«حبوب الهلوسة» و«الأقراص الممنوعة» ومخدر «الزطلة»، وهو من اكثر أنواع الحشيش المستخدم في بلدان شمال افريقيا بكثافة، خاصة بين الشباب وبالقرب من المدارس والجامعات والمقاهي الشعبية..
وسائل عديدة ،متنوعة ،ومبتكرة استخدمها المهربون منذ سنوات عديدة بغاية اغراق البلاد في فظاعات تلك السموم التي لا حصر لها ولعل اخطرها انتشار الجريمة بمختلف أشكالها علاوة على التداعيات الأخرى الخطيرة على الأسرة وما بات يصيبها من تفكك وتمزق نتيجة هذه الآفة المستشرية في جميع مفاصل المجتمع وتهديدها بشكل خاص للناشئين الذين أصبحوا منذ وقت بعيد في مرمى أهداف شبكات الترويج. لذلك تسعى السلطات الأمنية إلى تضييق الخناق على مروّجي المخدرات في محيط المؤسسات التعليمية لاسيما بعدما سجّلت البلاد خلال الأعوام الأخيرة زيادة في نسب الإدمان والعنف في المدارس، إلى جانب انتشار شبكات الجريمة التي تنشط في محيط المنشآت التي يرتادها التلاميذ وتشير في السياق الأرقام المعلنة إلى وجود ما بين 300 و400 ألف مدمن على المخدرات في تونس وهو عدد مرشح في نظر المختصين أن يكون أكبر من ذلك اي ما بين 500 و800 ألف مدمن بشكل عام نتيجة تزايد عدد المستهلكين في سنّ الـ12 والـ13 سنةوذلك في ظل غياب مرصد خاص يهتم بالظاهرة.
ورغم المجهودات الامنية والحملات المتواصلة الا ان عديد المؤشرات تؤكد ان «تجارة المخدرات» المتخفية تحت أجنحة الظلام باتتلا تكسد ابدا مع تزايد ضحاياها وخاصة من الشباب والمراهقين ،وهو دليل اخر لطالما أكده المختصون في المجال وهو ان المقاربة الأمنية عجزت فعلا عن معالجة أسباب ودوافع الإقبال على هذه الآفة خاصة في صفوف الشباب وربما قد تكون قد عمقتها أكثر فأكثر الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة وانسداد الآفاق مما سهل عمليات استدراجهم إلى المخاطر والمهالك وفي مقدمتها الإدمان بمختلف أشكاله وركوب زوارق البحر المتهالكة من أجل بلوغ الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط في اعتقاد أنه الملاذ وشاطئ الخلاص من كل المشاكل والصعوبات الحياتية.
وتضاعف استهلاك التلاميذ التونسيين للمخدرات خمس مرات خلال العقد الأخير، من 2013 إلى 2023، أي من 1.3 في المائة عام 2013 إلى 8.9 في المائة سنة 2023، وذلك وفق مسح وطني وترتبط مسألة الإدمان وتعاطي المواد المخدرة، بحسب علماء الاجتماع بعاملين أساسيين؛ أولهما الهشاشة النفسية للطفل أو المراهق الذي يبحث عن حب التجربة والمخاطرة، والثاني هوتراجع دور المؤسسة التربوية وهشاشة الأسرة واللذان يكونان دافعا للمراهقين نحو الهروب من الواقع وهو ما ارتكزت عليه شبكات الترويج لاستدراج ضحاياها حتى أصبحت هذه المواد المخدّرة سهلة المنال بالنسبة للمراهقين في محيط المؤسسات التربوية ، لذلك فالجهود الأمنية في نظر المختصين لا تكفي لوحدها للتصدي لذلك، بل يجب تشديد العقوبات الردعية ضد المروجين وضد كل الأطراف التي تبحث عن تحقيق الثروة وتدمير المجتمع عبر استهداف اليافعين والشباب.
ويبقى السؤال المطروح اليوم في خضم هذه النجاحات الأمنية المتواصلة في حرب الدولة على أباطرة المخدرات ما مصير مئات آلاف من الشباب المغرر بهم بعد بلوغهم مرحلة الإدمان ؟ خاصة في ظل الغياب الكلي لمراكز العلاج من هذه السموم وبشكل اخر هل أن المقاربة الأمنية لوحدها كافية لاجتثاث هذه الافة من جذورها أم انها تبقى في حاجة إلى مقاربة ردعية واخرى علاجية شاملة تمكن المدمن من الإقلاع تماما عن تعاطي هذه السموم وتمنحه فرصة للعودة إلى الحياة من جديد طبعا مع متابعة مستمرة ولصيقة وذلك لتفادي حالات الانتكاسة التي عادة ما تصيب الشخص المدمن في حالة توقفه عن العلاج بالشكل المطلوب ؟.
78 بالمائة منهم يريدون العودة : هل ستنجح تونس في استعادة كوادرها الطبية؟
كشفت نتائج دراسة أصدرها معهد الدراسات الاستراتيجية في مارس 2024،حول هجرة مهنيّي الصحّة ان …