2024-11-10

لضمان الأمن الغذائي في ضرورة الرفع من الدعم الاستثنائي للفلاحة..

في كلمته الجمعة، في افتتاح الجلسات العامة المشتركة بين مجلس نواب الشعب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم لمناقشة مشروعي قانون المالية والميزان الاقتصادي لسنة 2025، شدّد رئيس الحكومة، كمال المدوري، على أن مشروع قانون المالية يتضمن عدة “اجراءات ثورية” لمزيد دعم القطاع الفلاحي لأهمية دوره في التنمية وتحقيق مقوّمات السيادة الغذائية ومساهمته في الناتج الداخلي الخام وخلق مواطن الشغل.
وتأتي هذه الاجراءات الثورية في اطار وعي الحكومة بأن أزمة الفلاحة قد بلغت مرحلة خطيرة، وان التحرك ان لم يتم الان فان الكارثة ستحصل لا محالة، وستفقد تونس نهائيا جملة من الانشطة والانتاجات الفلاحية التي كانت تؤمّن جزءا رئيسيا من غذاء شعبها، وتكرّس معنى حقيقيا للسيادة الوطنية بمفهومها العالمي، القائم على توفير على ضمان الأمن الغذائي.
هذا الوعي الحكومي باستفحال الازمة الفلاحية لا يجب ان يقتصر على ردات الفعل التقليدية التي تقوم على منح مزيد من القروض والتشجيعات للفلاحين والمنتجين، فذلك وحده لا يكفي، وان كان ضروريا كشكل من اشكال الدعم المرحلي، والمحافظة الوقتية على بعض القطاعات الفلاحية المهددة بالاندثار.
لكن الاجراءات الثورية الحقيقية يجب ان تقوم على استراتيجية شاملة وتوجه عام نحو احياء القطاع الحيوي الذي تقوم عليه لقمة عيش الشعب وسيادة الدولة ومستقبل الاجيال. فالرهان اليوم كبير جدا، أمام أزمة خطيرة جدا، برزت أهم تجلياتها في السنوات القليلة الفارطة، حين شحّ الخبز وتراجع انتاج اللحوم الى أدنى مستوياته، وجفّ الضرع وذبل الزرع كما يقال، وباتت الاسواق شبه خالية من أنواع عديدة من الخضر والغلال، بل وتحولت الامور أحيانا الى مطاردات يومية بين الهياكل الحكومية والتجار حول احتكار أو تخزين بعض المنتوجات التي تتحول شيئا فشيئا الى سلع نادرة كالبطاطا والفارينة وعلف السداري، التي من المفترض ان بلادنا تنتج منها اكتفاءها الذاتي وتصدّر منها ايضا الى الخارج. صحيح ان سنوات الجفاف الاخيرة قد أثرت بقوة في المردود الفلاحي، كما وكيفا، لكن أيضا هناك عوامل أخرى لا بد من تداركها، كالغلاء المشط لاسعار كل المواد الفلاحية بلا استثناء، حتى المواد المتوفرة منها، وعزوف اليد العاملة عن التوجه للقطاع، ومعاناة الفلاحين من النقص الشديد في الاسمدة والاعلاف والبذور، وهي كلها مسائل يمكن تداركها، لانها غير مرتبطة بتساقط الامطار من عدمه، بل مرتبطة بخروج قطاعات عديدة عن سيطرة الدولة، وتولي امرها من قبل أطراف لا نعلمها، حاولت بكل الطرق الاثراء على حساب الفلاحين، فقضت على جزء كبير من الفلاحة وفقّرت جزءا من الفلاحين.
والاجراءات الثورية التي وعد بها رئيس الحكومة يجب ان تعي جيدا ان هناك قطيعا من الابقار قد يندثر قريبا، وان هناك قطيعا من الماعز والاغنام يوشك هو الاخر ان يندثر، ويجب ان تعي كذلك ان الالبان والاجبان واللحوم بكل أنواعها، أصبحت سلعة نادرة، وان سنوات مرت دون زراعات سقوية صيفية نتيجة لقلة المياه في السدود، وان انتاج الحبوب يتراجع كل سنة عن السنة.
وأمام هذا الوضع لا يكفي ان تكون الاجراءات الثورية على أهميتها هي مزيد تمتيع الفلاحين بقروض وتحفيزات، لا يعلم الا الله ان كانوا سيقدرون على سدادها أم لا، بل يجب ان تكون بسياسة دولة تقوم على انذار الخطر، وحالة طوارئ الجوع والجفاف. فالشعار المركزي للدولة في هذه الحالة يجب ان يقوم على مبدأ زرع كل مساحة صالحة، واستصلاح غير الصالحة وزرعها ايضا، والاقتصار الى الحد الاقصى في مخزون المياه، وجلب سلالات المواشي وتربيتها حتى في زرائب اصطناعية وأحواض صناعية ان لزم الامر .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

ستكون خير تعويض للجدب الصيفي : غلال الخريف تشهد ارتفاعا ملحوظا في الكميّة والجودة

على عكس الصائفة التي مرّت تقريبا دون ان يشبع التونسيون من الغلال الموسمية التي تعودوا عليه…