عن المعايير الأخلاقية، حال وسلوكيات الناشئة فـــي ضـــروريـــات إعـــادة الـــبـــنـــاء …
إن المتأمل في حال الناشئة اليوم يذهب دون أدنى شك إلى التوقف عند المعايير الأخلاقية وتشوه البوصلة المحددة لها لتحيد الناشئة عن الثوابت وتختلط لديها المفاهيم خاصّة بعد عشرية من الفوضى عصفت بكل مقوّمات الأخلاق الحميدة ولعلنا اليوم نحصد ما زرعته طغمة من الفاسدين «زرعت من العنف أشكالا» وكانت المثال السيئ لأجيال المستقبل وكانت معاول الهدم لديها نشيطة أكثر من معاول البناء وكان مسار التخريب سهلا وسريع الفاعلية لتكون النتيجة متوقّعة وغير صادمة من عنف وجرائم وتجرؤ الناشئة على من هم في الأصل القدوات والمرجع من الأولياء و المربين…
فالساحة مفتوحة اليوم على جميع الأوجه وعنصر « الاحترام» لم يعد له أي معنى في ضرب صارخ للمعايير الأخلاقية والقيم نقول هذا ونحن نتابع عن كثب ما تعيشه المؤسسات التربوية من أزمة أخلاق حقيقية تنذر بسقوط مدوّ في مستوى التحصيل العلمي والسلوك العام عموما خاصّة وانّ غياب الانضباط الذي هو من الشروط الأساسيّة لكلّ تربية سليمة قد أدّى إلى أمرين على غاية من الخطورة هما عجز المدرسة عن تأطير أبنائها وتعزيز مناعتهم ضدّ الأخطار الوافدة عليهم من الشّارع، وتجاسر المنحرفين عليها واختراقهم أسوارها بعد أن تفطّنوا إلى ضعفها. ،ناهيك أن العديد من التّلاميذ يقضون القسم الأكبر من يومهم، وأحيانا يومهم كلّه، في الشّارع ليصيروا عرضة لكلّ الأخطار.
فالبون شاسع بين أخلاق تلميذ الأمس وما نراه وما نعيشه هذه الأيام فالتلميذ قديما كان مثالا للتلميذ المجتهد والساعي إلى التحصيل العلمي دون سواه وكان لا يبحث عن الرفاه والكماليات لكن اليوم ونظرا لتطور الحياة وسرعة النسق المعيشي وكثرة الاختلاط والذي عادة ما يكون خارجا عن رقابة العائلة ساهم في انحطاط أخلاق التلاميذ وقد أصبح يمسّ كل المستويات وهذا ما أكسب بعض التلاميذ شغفا بالعنف والتمرّد على الجميع بما في ذلك المدرسة حتى العائلة نفسها بل أصبح البعض منهم يتنافس في ارتكاب العنف وتحقيق «بطولات» زائفة أمام أترابه وتلك الطامة الكبرى….وأصبح الحديث في المحظورات مباحا ولم تعد هناك ضوابط يتقيد بها التلميذ مما أدى إلى تفكك المنظومة القيمية والأخلاقية في العائلة وفي الفضاء التربوي .
ولعل ما يحدث اليوم من استهداف للمربين وتقاعس الولي عن القيام بدوره او استقالته في بعض الاحيان واستخفاف الناشئة بهيبة القدوات يحيلنا إلى ما استشرفه الدكتور والمفكر المغربي الراحل المهدي المنجرة ، وهو من أبرز الأكاديميين المغاربة، حيث يقول « إذا أردت هدم حضارة أمة «اهدم الأسرة» و«اهدم التعليم» و«اهدم القدوات والمرجعيات»وهدم الأسرة يمرّ عبر تغييب دور الأم وهدم التعليم يمر عبر بوابة تحقير دور المعلم وعدم إعطائه أهمية في المجتمع والتقليل من مكانته حتى يحتقره تلاميذه .ولتسقط القدوات تكون آليات الطعن في العلماء والتشكيك فيهم أسهل طريق والتقليل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.فإذا غاب دور الولي وسقطت القدوات والمرجعيات فمن يربي الناشئة على القيم؟ ومن يوجههم ؟
معاول الهدم ضربت في كل المضارب ومحاولات الترميم لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون بتلك السّهولة المرجوّة والمنشودة والحال يشي بكمّ التشوّهات التي طالت القيم والأخلاق وللأسف الشّديد فقد تشبّعت الناشئة بموروث ثقيل من العنف .. حيث يقول في هذا السياق الدكتور في علم الاجتماع سامي نصر انه لابد أن نصارح أنفسنا بأنّ مجتمعنا يعيش اليوم بمنظومة قيم مترهّلة وشبه غائبة، وأنّ الجزء الأكبر من هذا المجتمع يحاول إخفاء هذه الحقيقة المؤلمة فنحن نقف اليوم أمام أزمة قيم عميقة ومزمنة ومستفحلة، بات تعافي المجتمع منها بصورة ذاتيّة أمرا مستحيلا، لانّ التّعافي في مثل هذه الحالة لا يكون إلاّ بواسطة مشروع إصلاحيّ متكامل وشامل وبعيد المدى تكون فيه كل المقاربات المعتمدة متناغمة على غرار المقاربة الامنية والاقتصادية والثقافية والاعلامية … ولابد من إعادة بناء للمعايير الأخلاقية عبر استراتيجية واضحة المعالم لحماية الناشئة ولرسم خارطة طريق ناجعة والعمل على إيجاد حلول وبدائل حقيقية لهذا الواقع المتدني من خلال تضافر جهود كل المعنيين لإنقاذ منظومة الأخلاق والجميع مدعوّ كل من موقعه ليساهم بما من شأنه أن يرفع راية البلاد بالأخلاق أولا وأخيرا.
ولابد من التأكيد أيضا في هذا السياق وفق محدثنا على أهمية التركيز على عنصر التربية وتفعيله من جديد ليلعب المربي دوره المنوط بعهدته إلى جانب الولي وهو التربية فقد بتنا نتحدث فقط عن مؤسسات تعليمية زائد عنصر لا يقل أهمية عن غيره وهو غياب دور العائلة في مساعدة المعلم في عملية البناء والتأطير التي من المفروض أن يكون دورها مكملا لدور المدرسة.
ويشير سامي نصر إلى ان كل الدراسات في علم الاجتماع أثبتت أن المجتمعات التي تعرف ثورات عادة ما تجني في بداياتها جملة من الازمات ولعل من بينها ازمة القيم وهي حقيقة سوسيولوجية ثابتة وحالة طبيعية لان المجتمعات تعرف انفلات على جميع المستويات بما في ذلك الانفلات الاخلاقي ولكن ماهو غير طبيعي هو تواصل الوضع مدة طويلة واستمراره دليل على تمعش البعض من هذه الأزمات ولعل الخطوة الايجابية التي تحسب لبلادنا هي الاستفاقة الأخيرة وضبط الآليات من خلال القرارات الصادرة مؤخرا عن وزارة العدل والتي أذنت فيها للنيابة العمومية بتتبع من ينشر محتوى رقميا غير أخلاقي ويطبع مع الرداءة…
ويرى محدثنا ، ان فرص الإصلاح ما فتئت تتقلّص بمرور الوقت وتأصّل القيم المضادّة في ظل حجم الفوضى التي خلفتها بدرجة أولى والمتسببة فيها «عشرية من الفوضى»واختلت فيها الموازين وفقدت الناشئة بوصلتها الحقيقية والثابتة المؤشرة للقيم النبيلة والأخلاق العالية . مضيفا في السياق ذاته ان الناشئة اليوم تفتقد للمناعة التي تحميها لان المناعة الاجتماعية تتكون من آليات الضبط الاجتماعي المعطّلة بدورها ولم تعد تقوم بدورها إضافة إلى عنصر ثان وهو منظومة القيم التي تشوهت وكلها عوامل تمثل أرضية لانهيار منظومة القيم والأخلاق.
حال النقل العمومي : لم تتغير.. المعاناة نفسها والمواطن في ماراطون يومي مرهق…
حال النقل العمومي على ماهي عليه لم تتبدّل ولم تتغير ، المعاناة نفس…