هل نجانب الصواب اذا قلنا ان تونس تخوض مشروعها الجديد بمنتهى الثبات والجدية ؟ وهل نختلف حول دقة المرحلة ومقتضياتها ؟ وماذا عن الأدوار التي يمكن ان تلعبها مؤسسات الدولة في تكامل وانسجام؟
أسئلة انكارية تستبطن الإجابات في أعماقها فمعلوم انه لا يختلف اثنان حول خصوصية المرحلة تماما كما انه لا خلاف على ان تونس بعد الانتخابات الرئاسية 6 اكتوبر 2024 ليست كما قبلها. فالشعب التونسي ينتظر بفارغ الصبر تحقيق أحلامه المؤجلة. كما ان التحديات كبيرة جدا ولا احد يستطيع انكار الصعوبات الجمة التي تواجه البلاد في هذه الظرفية. لكن الرهان الأكبر هو بالتأكيد على سواعد أبناء تونس وذكائهم وعلى التعويل على الذات واستغلال كل المقدرات استغلالا جيدا مع قدرة على حوكمة كل الازمات التي تطرأ.
وفي هذا الخضم لاشك ان مؤسسات الدولة مدعوة الى العمل في كنف الانسجام وروح التفاني من اجل تجاوز هذه المرحلة بنجاح ونجاعة.
نقول هذا وبلادنا تعيش على وقع انطلاق مناقشة ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لعام 2025. والأكيد أننا نعلم جميعا ان التحدي الاقتصادي هو الأكبر اليوم باعتبار ان بلادنا دخلت نفق ازمة اقتصادية منذ ما يربو عن العقد. كما لا يخفى على أحد ان سوء الحوكمة للشأن العام عموما والشأن الاقتصادي على وجه الخصوص بالإضافة الى إهمال الإشكاليات الاقتصادية والتنموية في ظل التكالب على السلطة والصراعات التي رافقت مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011 كلها ألقت بظلالها بشكل من الأشكال على واقع التونسيين وقادت الى تفاقم الأوضاع بشكل غير مسبوق وأكيد أن الصعوبات التي نعيشها اليوم هي بعض تداعيات تلك المرحلة القاتمة.
إذن ما الذي تحتاجه تونس اليوم لتحقيق إقلاعها الحضاري عموما والتنموي بكل تفاصيله وملامسته للمعيش اليومي للتونسيين الذين طال انتظارهم وتوالت خيباتهم وهم الآن وأكثر من أي وقت مضى يريدون تحقيق منجز على أرض الواقع يحسّن أوضاعهم ويكون بمثابة طمأنة لهم وعلى مستقبل بلادهم وأولادهم. وأيضا يقطع بشكل جذري ونهائي مع المنظومة التي حكمت منذ 2011 وكل مظاهر الفساد الذي استشرى بشكل كبير في العقد الماضي حتى بات بعض الظرفاء يتحدثون عن ما يسمونه بـ«دمقرطة الفساد».
لكن ما العمل الآن ؟
الإجابة واضحة أيضا …
هناك قرار سياسي يتوجه بدقة الى مواطن الداء ويشدد على ضرورة معالجتها فالفاعل السياسي أعلن بكل قوة انه في سباق ضد الزمن وانه يحارب بكل ما أوتي من قوة كل الوهن والفساد الذي اعترى مفاصل الدولة والمجتمع وهو لن يتوانى على ان يعيد الى تونس هيبتها والى التونسيين أمانهم النفسي والمجتمعي وأمنهم الاقتصادي. وهناك مؤسسة تشريعية بغرفتيها تعكف على العمل في كنف الانسجام مع السلطة التنفيذية من اجل مواجهة الرهانات المطروحة اليوم عبر تشريعات ناجعة وفعالة ومتسقة مع السياق الحالي لتجاوز كل مظاهر البيروقراطية والركود التي جعلت من المرفق الإداري «إدارة عثمانية» روتينية خالية من الابتكار والانجاز وكبّلت الكثير من المستثمرين من الداخل والخارج مما جعلهم يحجمون على القيام بمبادرات من شأنها أن تخلق ديناميكية اقتصادية نحن في أشدّ الحاجة إليها.
فوضع حد لحالة العطالة التي طال أمدها يقتضي ان تغير الإدارة أساليبها وثقل إجراءاتها وان يفتح المجال امام كل الكفاءات النوعية من اجل تطوير أداء المرفق العمومي في هذا الخصوص.
أما الحفاظ على مقدراتنا وهو أحد الرهانات الكبيرة فهو يقتضي حماية أملاك الدولة وصونها من العابثين المستهترين ومن الفاسدين الذين أضرّوا بمكتسبات الشعب التونسي ونكلوا به وهنا لابد ان توظف الدولة حقها المشروع في تطبيق القانون بصرامة على كل المتجاوزين في حق الدولة والمجتمع.
ونظرا لأهمية السياقات الحالية فإن التطوير والتحسين لا يتوقف فقط على هذه المجالات فالقوة الناعمة ممثلة في النخب المثقفة هي أيضا مدعوة الى القيام بأدوارها في هذه المحطة التاريخية المفصلية وهذا موضوع سنعود الى تفصيله في سياق آخر.
قطار التنمية ينبغي أن ينطلق الآن..
لقد انتظر التونسيون أكثر مما يجب وآن الأوان لوضع نقطة النهاية لكل مظاهر العطالة في المجال …