الثقافة قطاع سيادي أيضا : نحو إصلاحات عميقة واستعادة الإشعاع المفقود
الثقافة فعل مقاومة وتحقق ونحت للذات وهي أيضا تأصيل للكيان كما قال كاتبنا الكبير محمود المسعدي ولذلك لا نستطيع ان نتحدث عن رقي حضاري دون تأمل القوة الناعمة لأي بلد.
كما أن احتلال الشعوب في حروب ما بعد الحداثة اصبح لا يحتاج الى جيوش جرارة بل هي معارك ثقافية يثيرها قادة الرأي وصنّاع المعرفة والذكاء وهذا شرح يطول.
أمّا مناسبة هذا الكلام فهي بالتأكيد المقام الذي نحن فيه بعد محطة مهمة أعلنت عن عناوينها التي تتمحور كلها حول مباشرة الرهانات الكبرى من أجل إشباع انتظارات المواطنين في كل المجالات. وإذا كانت التنمية هي الكلمة المفتاح فهي بالتأكيد تختزل كل القطاعات وكل المجالات ولا يمكن استثناء الحقل الثقافي منها بل هو أحد أعمدتها.
ولعل تأكيد رئيس الجمهورية قيس سعيد على الأهمية البالغة للثقافة واعتبارها قطاعا سياديا يتسق تماما مع ما أسلفنا ذكره.
وجاء هذا في لقائه بوزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي إذ تمحور حديثه إليها حول أهمية الفعل الثقافي والأدوار الموكولة له في المرحلة الحالية والتحديات المطروحة عليه في اتساق مع السياسات الكبرى للدولة، مؤكدا أنه بدون ثقافة وطنية تتنزل في إطار معركة التحرير الوطني لا يمكن تحقيق عديد الأهداف ومن بينها التصدي للاستلاب الفكري ولكل أنواع التطرف التي تغيّب الفكر الحر فضلا عن الارتقاء بالفن حتى يكون مصدرا للإبداع في المقام الأول.
هذا بشكل عام أما بخصوص التفاصيل الواردة في لقاء رئيس الجمهورية قيس سعيّد بوزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي فقد تم التطرق الى وضعية المهرجانات والفعاليات الثقافية الكبرى تلك التي صنعت ريادة تونس في المنطقة العربية وعلى المستوى الافريقي لكنها تراجعت بشكل ملفت في السنوات الأخيرة او بالأحرى تدهورت. وهذا ما دعا رئيس الدولة الى التشديد على ضرورة اصلاح التظاهرات المهمة على غرار مهرجان قرطاج الدولي ومهرجان الحمامات الدولي بالإضافة الى أيام قرطاج السينمائية وكذلك المسرحية وذلك بهدف استعادة اشعاعها داخليا وخارجيا وتحقيق الأهداف التي تأسست من أجلها.
وفي سياق متصل تطرق هذا اللقاء الى أهمية الدور الذي كانت تلعبه المؤسسات التعليمية في تحفيز الناشئة على الاقبال على تعلّم مختلف الفنون وحضّها على الابداع. وقد كانت تلك المرحلة بمثابة العصر الذهبي للثقافة في تونس التي اتسمت بالدينامية والانفتاح والقدرة على صناعة مضامين جماهيرية وبعيدة عن الإسفاف. ولعل الدور الذي لعبته النوادي وتحديدا تلك التي تعنى بالسينما في المؤسسات التربوية وفي دور الشباب والثقافة من الأمثلة الدالة على فرادة تلك التجربة التي دعا رئيس الجمهورية قيس سعيّد الى احيائها وإعادة الروح اليها حتى تحفز الطلبة والتلاميذ على التفكير الحر كما كانت في الماضي. وحتى تعمّق حس الانتماء لديهم وتجعلهم دائما متجذّرين في ثقافتهم الوطنية.
وفي مسألة تطرق رئيس الدولة الى قضية التراث وهي من المسائل المهمة حقيقة خاصة في ظل التعامل بعدم اكتراث مع تراثنا المادي واللامادي وعدم صيانة وصون معالمنا الاثرية الضاربة في القدم بالإضافة الى محاولات بعض الأطراف الخارجية «السطو» بشكل مباشر أو غير مباشر على إرثنا الأنثروبولوجي في ظل صمت تام للجهات المسؤولة على هذا القطاع.
وهنا دعا الرئيس قيس سعيّد الى ضرورة تضافر الجهود والتنسيق بين مختلف هياكل الدولة من أجل المحافظة على تراثنا الضارب في عمق التاريخ والذي لا يعود فقط الى حضارة قرطاج بل سبقها بآلاف السنين ولعل شواهد الحضارة القبصية خير دليل على ذلك. كما شدد على ضرورة استعادة ما تم الاستيلاء عليه.
عن البون الشاسع بين القرارات وتنفيذها : الحاجة الملحّة الى الإنجاز والنجاعة
لعله من البداهة القول بأن الإرادة السياسية هي المحرك الأساسي لكل انجاز في أي بلد والأكيد …