العقوبات السجنية لـ«صناع المحتوى» : بين ضرورة الردع وفعالية العقوبات البديلة في حماية الفضاء الرقمي
في خضمّ النقاشات المجتمعية الواسعة التي أثارها صدور أحكام بالسجن بحق أربعة من «صنّاع المحتوى»، تصاعدت الأصوات بين مؤيد لهذه الأحكام، معتبرا إياها خطوة ضرورية لضبط التعامل والتفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، وبين معارض يرى في العقوبات السجنية عقوبات مبالغ فيها .
وتأتي هذه القضايا لتطرح تساؤلات ملحة حول طبيعة صناعة المحتوى في تونس وحدود حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي وايضا دور الدولة في حماية الفضاء الرقمي من التجاوزات.
لقد شهدت تونس على غرار أغلب دول العالم، ارتفاعا ملحوظا في عدد صنّاع المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، الذين استطاعوا بفضل شعبية هذه الوسائل الرقمية استقطاب جماهير واسعة، والتأثير على الرأي العام خاصة الشباب. وأصبح صنّاع المحتوى الرقمي يمتلكون القدرة على نقل ونشر المعلومة بسرعة والتأثير على بعض الفئات خاصة المراهقين والشباب ، وهو ما كان في السابق حكرا على وسائل الإعلام التقليدية. لكن هذه الحرية المتاحة عبر الانترنات رافقتها في عديد الأحيان تجاوزات بلغت حد تجاوز الحدود الأخلاقية المجتمعية، ويبرز هنا إشكالٌ أخلاقي وقانوني، يتمثّل في الدور الاجتماعي لصنّاع المحتوى. فبينما يرى البعض أن هؤلاء الاشخاص يجسّدون صوت فئة من المجتمع ، يرى آخرون أن هذه الحرية المطلقة قد تفضي إلى محتوى غير مسؤول، يتجاوز الحدود القانونية والأخلاقية.
في الحالات التي أُدين فيها صنّاع المحتوى الأربعة، كانت الأسباب تتعلّق بمحتوى رقمي اعتبرته السلطات مخالفا للقانون أو مضرا بالمجتمع من خلال تجاوزه للقوانين الأخلاقية المجتمعية . وبغض النظر عن التفاصيل القضائية الدقيقة لهذه القضايا، إلا أن صدور أحكام بالسجن على خلفية نشاط رقمي أثار تساؤلات حول مدى جدوى هذه العقوبات.
وقد تكون العقوبات السجنية حلا فعّالا لردع بعض المخالفين، لكنها تظلّ سلاحا ذا حدين. فالسجن قد يدمر حياة شخص، دون أن يُعالج فعليا جذور المشكلة.
فعديد الدول اليوم تتبنى مفهوم العقوبات البديلة كوسيلة لمعالجة قضايا الجرائم غير العنيفة، وهو ما يمكن أن يُطبّق في قضايا صناع المحتوى. وقد تشمل العقوبات البديلة خدمة المجتمع والغرامات المالية أو المراقبة الرقمية… مما يتيح لصانع المحتوى فرصة التعلّم من الخطإ وتحسين سلوكه عوض سجنه. فعلى سبيل المثال يمكن عقاب « صانع المحتوى» بدفع غرامات مالية أو المشاركة في أنشطة تعود بالفائدة على المجتمع . وقد تكون هذه الحلول أكثر نجاعة على المدى البعيد حيث تُساعد الفاعل على إدراك خطورة أفعاله دون تدمير حياته.
يسلط صدور هذه الأحكام الضوء على الحاجة الماسة لتطوير منظومة قانونية تواكب تطورات المجال الرقمي. فتنظيم المجال الرقمي يتطلب تشريعات خاصة تأخذ في الاعتبار خصوصيته. و يجب أن تُوازن هذه القوانين بين حق التعبير وبين ضرورة حماية المجتمع من المحتويات المؤذية واللاأخلاقية .
أخيرا يمكننا القول إن صدور أحكام بالسجن ضد « صنّاع المحتوى» في تونس يشير إلى أزمة أعمق تتعلق بالتفاعل بين حرية التعبير وواجب المسؤولية على الانترنات. هذه الأحكام قد تكون جرس إنذار لصنّاع المحتوى الآخرين، لكنها أيضاً دعوة لإعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالمجال الرقمي. فالعقوبات السجنية ليست دائما الحل الأمثل، وقد يكون اعتماد العقوبات البديلة خطوة في الاتجاه الصحيح لحماية الفضاء الرقمي من مختلف التجاوزات .
المساعدات الاجتماعية للعائلات المعوزة : رغم أهميتها … تبقى غير كافية لتغطية الاحتياجات المتزايدة
مع اشتداد البرد القارس خلال هذه الأيام حيث تتساقط الثلوج في بعض المرتفعات وتنخفض درجات الح…