2024-11-05

قطار التنمية يبدأ من الجهات : أيّ دور للولاة في تنفيذ السياسات الكبرى؟

من الملاحظ أننا نعيش حراكا كبيرا على مستوى الجهات بفضل الزيارة المتواترة لرئيس الجمهورية قيس سعيد الى الولايات وتفقد بعض الأملاك والمنشآت العمومية. لكن لا أحد من المتابعين للشأن العام أو من الإعلاميين أو من عموم المواطنين لاحظ دورا يذكر للولاة. aفهم الغائب الأبرز في كل المحطات الكبرى تقريبا كما أن حضورهم الميداني غير موجود أساسا ولذلك يتفاجأ رئيس الجمهورية في كل مرة بحجم الأخطاء الكارثية في الأماكن التي يزورها ويصدم المواطن من كم الفساد المستشري هنا وهناك خاصة في الملك العمومي.
وحتى لا نذهب بعيدا ونتوه في التفاصيل المتشابكة من المهم ان نطرح هنا سؤالا مباشرا وصريحا وهو:
لماذا يفضل الولاة البقاء حتى لا نقول الاختباء في مكاتبهم؟ولماذا يعدلون عن العمل الميداني الذي هو الأهم والأكثر نجاعة؟ فالأكيد أن متابعة أحوال المواطنين عن كثب ومراقبة التجاوزات بمختلف أنواعها في المكان والتوقيت المناسبين لا يمكن ان تتحقق إلا بالرصد المباشر والمعاينة الميدانية.
وهذا و مع كل الأسف مفقود وهنا يمكن ان نعود الى المفهوم الأول لخطة ودور الوالي في جهته وهو الذي يمثل رئيس الجمهورية في منطقته الترابية وبالتالي عليه ان يقوم بتنفيذ سياسات الدولة وقرارات وتوصيات الرئيس بحذافيرها.
كما يمكن أن نعود الى أبرز العناوين الدالة في خطاب رئيس الدولة وهو الذي يقود الآن حربا بلا هوادة ضد الفساد ويؤكد بصريح العبارة على ضرورة تحميل المسؤوليات لأصحابها ومن كان يعتقد أن المنصب تشريف ومكانة وامتيازات يحظى بها لكي يتابع الأمور من بعيد وتنقل له الوقائع وفق أهواء ومصالح الحاشية فهو خاطئ بل ولا يستحق منصبه من الأساس. فالمنصب تكليف ومهمة تقتضي أولا الشجاعة في تطبيق القانون على الجميع ثم الجدية في العمل والتفاني فيه وأيضا التعفف المادي وعدم النهم للامتيازات الذي مع الأسف يحدو الكثير من المسؤولين.
ومن الواضح اليوم ان هناك قاعدة ذهبية يعمل بها أعلى هرم السلطة وهي ان الرهانات الكبرى للتنمية العادلة والمستدامة تنطلق من الجهات وان التحدي الأكبر هو الحفاظ على أملاك الدولة من أراض ومنشآت ومؤسسات عمومية تم استغلالها بشكل فاحش حتى تدهورت اوضاعها تمهيدا للتفريط فيها للخواص بأثمان بخسة.
لكن الإشكالية هنا هي في مدى قدرة الولاة على التقاط هذه الرسالة المهمة والواضحة. فممارساتهم السياسية حتى الآن (طبعا مع عدم التعميم ومراعاة قاعدة التنسيب المهمة في هذا السياق) لا تشي بأن هناك وعيا بالتوجه العام في البلاد في المرحلة الحالية. فتنفيذ السياسات الكبرى التي وضعها رئيس الجمهورية والتي مضمونها بالأساس اطلاق مشاريع مهمة ومحاربة الفساد في كل البؤر التي يتستر بها والتي جعلها المفسدون مرتعا لكل الممارسة المدمرة لمقدرات الدولة.
كما انه لا يعقل ان ينتظر الولاة الزيارات الميدانية لرئيس الدولة حتى يقوموا لاحقا بالتحرك فدور رجال المطافئ قطعا ليس دورهم بل على العكس تماما دورهم يفترض انه يقوم على القدرة على استشراف بعض الاشكاليات قبل حدوثها وان حدثت فإن إيجاد الحلول الناجعة والسريعة لها هو مهمتهم الأساسية.
والأكيد ان البيروقراطية هي ألدّ أعداء النجاعة والجدّية في العمل وهو الأمر المطلوب من الفاعلين السياسيين وكما أسلفنا القول منصب الوالي هو منصب سياسي بامتياز فهو الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية في ولايته ويفترض ان يقوم بتطبيق السياسيات الكبرى ويتابع أحوال المواطنين عن كثب ويقدم التقارير التفصيلية الدقيقة لرئيس الجمهورية مرفقة بمقترحات حلول.
إذن نحن أمام معضلة حقيقية لابد من تجاوزها بالسرعة القصوى إذا اردنا تحقيق الأهداف التنموية الكبرى في المدى المنظور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

عن البون الشاسع بين القرارات وتنفيذها : الحاجة الملحّة الى الإنجاز والنجاعة

لعله من البداهة القول بأن الإرادة السياسية هي المحرك الأساسي  لكل انجاز في أي بلد والأكيد …