قضية هنشيرالشعّال وانطلاق المحاسبة: نحو تدمير نهائي لشبكات الفساد..
يبدو أن تونس ماضية قدما في محاربة الفساد وفي فتح ملفات أعتى المفسدين وهو السبيل الوحيد لإعادة الأمور الى نصابها بعد حالة الفوضى والارتباك التي طبعت مرحلة ما بعد الثورة وما رافق الانتقال الديمقراطي من هنّات وثغرات تسللت منها شبكات تقاطعت مصالحها فعاثت في البلاد فسادا.
نقول هذا ونحن نتابع تداعيات ملف هنشير الشعّال على إثر الزيارة غير المعلنة التي أداها رئيس الجمهورية قيس سعيّد الى هذه المنطقة ومعاينته عن كثب لمختلف الاخلالات الخطيرة والتجاوزات التي تمثل اهدارا واضحا للمال العام. وهو ما يحيل على حالة الفساد التي استشرت في كل القطاعات وسرت كما تسري النار في الهشيم.
والإيجابي هو أن الانتظار لم يطل حتى تابعنا انطلاق التحقيق في هذا الملف الثقيل بل واسفر الأمر عن بعض الإيقافات التي لن نغوص في تفاصيلها في انتظار إماطة اللثام عن كل ملابسات القضية وكل الذين ساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في وصول هنشير الشعال الى الوضعية الكارثية التي عاينها رئيس الجمهورية.
والأكيد أن ملف هنشير الشعّال لن يكون الشجرة التي تحجب الغابة فبالإضافة الى كونه غابة في حد ذاته من الفساد الصريح فهو قطعا يحيل على ممارسات فاسدة انتشرت في البلاد ومسّت كل المجالات وكل القطاعات وهي تعكس التعامل الانتهازي مع أملاك الدولة التي تم التفريط فيها بأثمان بخسة أو تم تركها للتدهور والضياع من اجل التمهيد للتفويت فيها وبعض هذه الممارسات تمت عن تعمد وقصدية بغية تحقيق منافع ذاتية وبعضها تم في اطار التقصير والتراخي والتعامل مع الملك العمومي بمنطق «رزق البيليك». وأما البعض الآخر فهو من قبيل التواطؤ الكبير من طرف مجموعة من العاملين في القطاع العام وهم ينشطون بشكل زبوني في إطار شبكات لخدمة بعض رؤوس الأموال وكلها مظاهر آن الأوان للقطع معها والضرب بيد من حديد على كل من يقوم بها قاصدا ومتعمدا أو حتى عن غباء وجهل وتقصير.
ولعله من باب الطرافة أن نقول هنا إن بعض التونسيين اكتشف أن هنشيرالشعّال الذي هو على ملك الدولة التونسية هو ثاني أكبر غابة زياتين في العالم هذه الأيام رغم انها معلومة مدرسية يفترض ان جميع التونسيين يعرفونها. ومن هذا نستشف معنى عميقا وهو ان أغلبنا لا يعي قيمة ما نملكه وأهميته وهذا ما يفسر تراجع قيم الانتماء وهذه مسألة أخرى سيكون من المهم تفصيل القول فيها في سياقات قادمة.
لكن ما يعنينا الآن هو تواتر ملفات الفساد التي باشرتها الدولة والتي لاقت نسبةرضا مجتمعي عالية جدا وهي اعلان عن انطلاق مرحلة جديدة شعارها الأبرز أنه لا احد فوق القانون. وان المحاسبة هي الطريق الى إرساء دولة القانون والمؤسسات التي يتساوى فيها الجميع ويتحمل كل مسؤوليته وبالتحديد أولئك الذين يتم تكليفهم بمهام يعتبرونها من قبيل التشريف وليس التكليف. والواضح من خلال بعض المسؤولين الذين يخضعون حاليا الى التحقيق بشأن شبهات متعددة أو أولئك الذين حوكموا بتهم ثابتة من قبيل الفساد وتبييض الأموال أنه لا تفرقة في المحاسبة ولا تمييز على أي أساس.
هنا لقائل ان يقول اننا دخلنا عش الدبابير فشبكات الفساد تتقاطع فيها المصالح والمنافع تماما كما تتم التغطية على كل الفاعلين فيها بهدف عدم انكشاف خيوطها وهو ما يجعل الحرب على المفسدين شائكة وتحتاج الى نفس طويل.
ولكن الأهم من كل ذلك هو توفر الإرادة السياسية كما هو الحال حاليا والشجاعة من أجل انقاذ الوطن من الفاسدين والمراهنين على سقوطه بشكل نهائي بين براثن شبكات الفساد.
عن البون الشاسع بين القرارات وتنفيذها : الحاجة الملحّة الى الإنجاز والنجاعة
لعله من البداهة القول بأن الإرادة السياسية هي المحرك الأساسي لكل انجاز في أي بلد والأكيد …