يتطلّع العالم باهتمام كبير لتاريخ الخامس من نوفمبر 2024 لمعرفة الرئيس القادم للولايات المتحدة الامريكية، فهذه الانتخابات استحقاق وطني يخص الشعب الأمريكي لكنه في نفس الوقت استحقاق دولي بكل المقاييس، يعني شعوب الارض، لأن الأمر يتعلق بأهم دولة في العالم الى حد الآن، ومصائر عدد من الحكام وانتظارات شعوبهم رهينة من يمسك دواليب الحكم في البيت الابيض.
إننا معنيون بنتائج الانتخابات الأمريكية للعديد من الأسباب التي يعود بعضها للتاريخ وبعضها الآخر لإكراهات الجغرافيا التي جعلت بلادنا وهي بوابة افريقيا بوصلة السياسات الدولية دون مبالغة والنقطة التي تتهافت عليها القوى العظمى لتحقيق استراتيجياتها شمالا وجنوبا شرقا وغربا.
وكما هو معلوم، تعود العلاقات بين الولايات المتحدة وتونس إلى أكثر من 200 عام، حيث بادرت تونس بالاعتراف بهذا البلد الجديد ووقّعت معه معاهدة صداقة عام 1799 لترد واشنطن بالمثل وتعترف باستقلال بلادنا في 17 ماي 1956، ومنذ ذلك التاريخ ورغم المد والجزر تدعمت العلاقة بين الدولتين وبلغت ذروتها بتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية في 20 ماي 2015 وهي اتفاقية شملت المجالات الاقتصادية والتربوية والثقافية والأمنية والدفاعية وقد أثارت وما تزال الكثير من الجدل..
وبالرجوع الى المواقف السياسية وخاصة الدعم اللوجستي الامريكي وأساسا في المجال العسكري تحت عنوان مكافحة الارهاب، إضافة الى مراهنة واشنطن على قوى سياسية بعينها في بلادنا بين الفينة والأخرى ووجود أكثر من تصور وتقييم للتجربة الديمقراطية في تونس، فان نتائج الانتخابات الامريكية تعنينا وننتظر كيف ستتغير تكتيكات البيت الابيض بما أن الخيارات الاستراتيجية الكبرى ستظل على حالها.
ولأن الادارة الامريكية طرف رئيسي في معادلات المنطقة، بل هي اللاعب الأكبر فيها والداعم الحصري المطلق للكيان الصهيوني والساهر على حمايته وتبرير عربدته والتغطية على جرائم الإبادة التي يقترفها في حق شعبنا في فلسطين ولبنان، دون ان ننسى جرائمه التي نفذها على أرضنا، فإن هوية الرئيس الامريكي القادم تعنينا، على الاقل لمعرفة ان كان الخيار القادم وقف الحرب وتغليب العملية السياسية في الشرق الاوسط مع رئيس ديمقراطي او مواصلة القتل والهروب الى الأمام مع رئيس جمهوري لفرض ترتيبات سياسية أحادية الجانب وأحادية الاهداف والنتائج.
أما المستوى الثالث في اهتمامنا بالانتخابات الامريكية فهو دون شك موقف ساكن البيت الابيض القادم من بعض الملفات الدولية الشائكة وعلى رأسها الملف الإيراني ان جاز القول وهل ستجنح الادارة الامريكية الى السلم والحوار والتفاوض في علاقة بالمشروع النووي الايراني او تغليب خيار الحرب التي قد تأتي على الاخضر واليابس وتنسف ما تبقى من مقومات الامن والسلم الدوليين دون ان ننسى الملفات المتعلقة بالبيئة والمتغيرات المناخية والفقر في العالم وغيرها من المشكلات التي تكابدها الانسانية.
ان كل هذه الاعتبارات والعناصر التي تضفي أهمية كبيرة على هذا الاستحقاق الوطني في امريكا هي نفسها التي تجعلنا ننسّب قراءاتنا ونعدّل منسوب تفاؤلنا وأملنا في تغيير جذري نحو الأفضل بطبيعة الحال لما فيه خير الأمريكان وخير بني البشر.
ان تجربة التناوب والتداول في حكم أمريكا لم تحقق للشعب الامريكي، رغم عراقة التجربة الديمقراطية، مطالبه وتطلعاته، فما يزال التفاوت بين الولايات وداخل الولايات نفسها في أعلى درجاته، بين الفقراء والأغنياء، بين السكان الاصليين والوافدين، والأسوأ من كل ذلك ان حكام هذه الدولة العظمى خلقوا لدى أغلب شعوب الارض كراهية وخوفا وعدم ثقة في كل ما «صنع في أمريكا»، لذلك نحترم إرادة الشعب الامريكي ونتمنى له دائما الأفضل..!
ولعل العنوان الأنسب لما يحصل في أمريكا اليوم، هو «انتخابات تحت النار»، حيث يعلم القاصي والداني ان الادارة الحالية هي التي تقود حرب الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ولبنان، والشعارات الانتخابية للمرشّحيْن الديمقراطي والجمهوري لا علاقة لها بالواقع الذي تحكمه الميادين في فلسطين المحتلة وفي جنوب لبنان، وبالتالي فهي حرب استنزاف الخاسر فيها الناخب الامريكي ودافع الضرائب الامريكي الذي يدفع كلفة حرب عبثية منافية للقيم والمبادئ التي بشّر بها الأمريكان العالم قبل قرون.
هنا يمكن ان نقول ان هذه الانتخابات لا تعنينا، فلا فرق في تقديرنا بين رئيس ديمقراطي وآخر جمهوري، هما وجهان لعملة واحدة والحزب الديمقراطي كان مساندا قويا لوعد بلفور ثم لقيام الكيان الصهيوني، والحزب الجمهوري قبر أوسلو واعتبر القدس المحتلة عاصمة للعدو وأقصى ما يمكن ان يحدث في حال فوز هذا المرشح أو ذاك تغيير بعض التكتيكات لكن الاستراتيجيات ثابتة كما أسلفنا، ومصلحة الابن الضال، ونقصد به الكيان الصهيوني هي الأهم وحتى في علاقةبالحديث الدائر خلال هذه الساعات عن الهدنة وعن وقف الحرب والترتيبات السياسية يجب الانتباه الى ان الادارة الامريكية اليوم هي إدارة تصريف اعمال في مرحلة انتخابية انتقالية وبالتالي لا شرعية لها ولا قدرة ميدانية لها على فرض ترتيبات هدنة أو عملية سياسية دائمة في المنطقة.
إن الادارة الامريكية الراهنة أو القادمة لن تجرؤ على توسيع دائرة الحرب والاشتباك مع ايران والذهاب الى حرب كونية ستصل تداعياتها هذه المرة الى الاراضي الامريكية بخلاف الحروب العالمية السابقة التي بقيت فيها في منأى عن الدمار والخسائر المباشرة وان حصل ذلك فسيكون شكلا من أشكال العبث والجنون وهذه في تقديرنا الحقيقة التي يجب ان يتفطن اليها الناخب الامريكي الذي تعنيه الانتخابات الرئاسية في أمريكا قبلنا وقبل غيرنا وقبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

‫شاهد أيضًا‬

تحتاج الى أكثر من زيارة غير معلنة.. حال مراكز التكوين المهني ليست على ما يرام

كشفت الصفحة الرسمية لوزارة التشغيل والتكوين المهني أن الوزير رياض شوّد أدّى الاربعاء الماض…