ستكون خير تعويض للجدب الصيفي : غلال الخريف تشهد ارتفاعا ملحوظا في الكميّة والجودة
على عكس الصائفة التي مرّت تقريبا دون ان يشبع التونسيون من الغلال الموسمية التي تعودوا عليها في فصل الصيف، خاصة التّين و«الهندي» والقرعيات بجميع أنواعها، وكذلك العنب، حيث جاءت صابة هذا العام من الغلال الصيفية أقل بكثير من المعتاد، نظرا لعوامل عديدة أهمها التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي استمر لسنوات وأثّر سلبا على كل الزراعات، خاصة الصيفية منها، اضافة الى بعض العاهات التي طرأت مثل دودة (الذكّار) التي حرمت الفلاحين من تلقيح أشجار التين، أو الحشرة القرمزية التي قضت على غابات الهندي في أغلب الجهات، والوصول حتى الى منع السقاية بمياه السدود في عدد من المناطق التي تعودت على انتاج القرعيات (بطيخ، دلاع، خيار..).
هذا (الجدب الصيفي) أدّى الى فقدان أغلب الغلال الموسمية من الاسواق، والارتفاع المهول الذي رافق اسعارها طيلة اشهر جويلية وأوت وسبتمبر، وأحدث فراغا في المعروض، وحرم المستهلك المتوسط الدخل من التمتع بخيرات هذه الغلال، التي كانت تُعتبر دائما من مواسم الخيرات، والتي دخلت منذ عشرات السنين في الثقافة الاستهلاكية وفي عادات الرفاه والشبع عند العائلات التونسية، لكنها حرمت منها الصائفة الفارطة والتي قبلها، ولم تنزل أسعار بعضها تحت الستة دنانير للكيلو غرام الواحد، رغم محاولات الاستيراد ورغم سعي السلطات لايجاد بدائل مؤقتة تمكن المواطن من ملء قفته من غلال الموسم.
على عكس الجدب الصيفي، حملت نسمات الخريف، بشائر امتلاء وطُفرة حقيقية في عديد الخيرات التي تؤثث عادة مائدة التونسيين، وتعود بالخير العميم على خزينة الدولة وعلى جيوب الفلاحين.
فالتقارير الاولية تتحدث عن صابة قياسية في زيت الزيتون لم تشهدها تونس منذ سنوات، خاصة مقارنة مع السنة الفارطة التي عرفت تراجعا كبيرا في المحصول أدى الى ارتفاع كبير في الاسعار، ما دفع الدولة للتدخل وتوفير كميات من الزيت المسعّر بعد ان بلغ سعر اللتر الواحد من هذا السائل الاصفر، أكثر من خمس وعشرين دينارا.
ويأمل كثير من التونسيين في أن تتراجع أسعار الزيت ولو قليلا، خاصة مع وجود بشائر عن ذلك قبل الانطلاق الفعلي في العصر، أهمها أسعار الزيتون (الحَبّ) التي يقال أنها أقل بكثير من مثيلتها في السنة الفارطة.
أما ثاني الغلال الخرفية وسيدها بلا منازع، تمر نفزاوة والجريد، فكل التقارير تتحدث عن صابة قياسية، ومردود جيد جدا مقارنة بالسنوات الفارطة، وتحدثت التقارير ايضا عن صفقات تصدير ممتازة وعن مردود جيد للفلاحين والتجار وكل القائمين على مجال التمور، وحتى على البنك المركزي وخزينة الدولة من خلال ضخّ مزيد من العملة الصعبة في المجال المالي الوطني.
ثالث الخيرات هي بلا شك غلال الوطن القبلي، قوارص منزل بوزلفة وبني خلاد، سيدة المائدة طيلة الخريف والشتاء، والتي عرفت ازدهارا منذ عشرات السنين وصارت علامة من علامات المنتوج الوطني، لها أسواقها ومداخيلها الجيدة، ولها رواج في كافة انحاء العالم، نظرا لجودتها ولنكهة لذيذة خاصة بها، لا توجد في حمضيات البلدان الاخرى رغم انها قد تكون أكثر انتاجا من بلادنا.
هذه الغلّة، تقول تقارير اعلامية انها تراجعت قليلا في كمية الانتاج مقارنة بالسنة الفارطة والتي قبلها، رغم استمرار الجودة على نفس القدر، نظرا لتراجع حصص المياه المخصصة للريّ، ونظرا لارتفاع الحرارة، خاصة وأن أشجار الحمضيات تتطلب مناخا معينا وهي أشجار حساسة لا تتعايش مع المناخ المتطرف الذي تعرفه بلادنا منذ حوالي السبع سنوات.
تصريحات الفلاحين والهياكل الخاصة بهم في الوطن القبلي خاصة، تتحدث عن هذا النقص في الكمية بغير مبالاة، خاصة وان الصابة مضمونة الى حد الان، والكمية تكفي للسوق الداخلية ولعقود التصدير، ما يجعل موسمها ناجحا رغم الصعوبات، وما يؤشّر ايضا الى ان غلال الخريف قادرة فعلا على تعويض الجدب الصيفي، وقادرة على انعاش خزينة الدولة وبعث الامل من جديد في الفلاحة التونسية، في انتظار ان يلمس المواطن انخفاضا حقيقيا في الاسعار قد يمكنه من تعويض اشهر طويلة قضّاها بلا غلال.
لا يمكن التعويل على الذات دون دعم الفلاحة وزيادة الاستثمارات : مـــتـــى يـــعـــي الــتـونــســيــون أن أمــانـهــم فـي أرضهم؟
في آخر تقرير صادر عنه الاسبوع الفارط، حذّر المرصد الوطني للفلاحة من تراجع في قيمة الاستثما…