يؤدّيها بانتظام رئيس الجمهورية وبعض الوزراء : متابعة الزيارات غير المعلنة ضرورة ملحّة
لا يختلف اثنان في ان متطلبات الحكم عديدة ولعل من أبرز فنونها ومظاهرها الزيارات الميدانية التي هي في نهاية الأمر فرص اتصالية سياسية مميزة للاقتراب من المواطنين والاطلاع على مشاغلهم والاهم من ذلك انها مناسبات للوقوف على وهن بعض المؤسسات او القطاعات او مجالات النشاط الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام وكذلك تقييم أداء بعض المسؤولين وهو ما يسمح باتخاذ القرارات المناسبة للاصلاح والتطوير.
وقد اعتمد حكام تونس القدامى والجدد على الزيارات الميدانية بل ان مقاربة الرئيس السابق الحبيب بورقيبة على سبيل المثال، انبنت على ما كان يسميه «الاتصال المباشر» وكان يطنب في الخطاب والحديث للتونسيين، وعلقت في أذهاننا بعض الحوادث والطرائف والمواقف الجادة أيضا.
في هذه الفترة، ومع نهاية الولاية الأولى لرئيس الجمهورية الحالي قيس سعيد خلال السنوات القليلة الماضية وبداية عهدته الجديدة، تكثفت الزيارات الميدانية غير المعلنة وفق التوصيف الذي اختارته رئاسة الجمهورية في بلاغاتها وهي زيارات لافتة في شكلها ومضمونها.
في مستوى الشكل اعتمد رئيس الجمهورية على عنصر المفاجأة واختار التواصل مباشرة مع من يلتقيهم من المسؤولين، وتظهر التسجيلات الموثقة لهذه الزيارات ان ساكن قرطاج مطلع على أدق التفاصيل المتعلقة بالمؤسسات او الفضاءات أو الشخصيات التي يزورها ولا يتردد البتة في المساءلة والاحراج وتحميل المسؤوليات والوعيد كذلك والتاكيد على المحاسبة وعدم الافلات من العقاب.
اما في ما يتعلق بالمضمون، فاللافت ان رئيس الجمهورية يضع زياراته في إطارها التاريخي والسياسي والقانوني ويقدم نبذة عن المرفق الذي يزوره ويظهر للمتلقي انه على دراية بحقيقة الوضع كما أسلفنا، وفي ذلك رسالة مطمئنة للتونسيين لانهم يكتشفون في كل مرة ان من يضطلع بأعباء حكمهم على دراية بما يؤرقهم، وهو يشفي غليلهم حين يفضح مظاهر الفساد والافساد ويتحدث عن المسؤول الفاشل الذي لا تتوفر فيه المؤهلات العلمية ومواصفات الكفاءة والتسيير فترمي به الاقدار في مواقع متقدمة من مفاصل الدولة وهذا في حد ذاته يبعث الامل في التغيير وفي استبعاد من لا يستأهل كرسي المسؤولية.
وعلى خطى الرئيس، يبدو ان بعض الوزراء اقتنعوا بان العمل المكتبي لن يجدي نفعا وأنّ افضل طريقة لتثوير العمل الحكومي النزول الى الميدان، وها هو وزير النقل على سبيل المثال في غضون أسبوع تقريبا يؤدي زيارتين مهمتين في تقديرنا الاولى الى ورشتي اصلاح عربات المترو بشركة نقل تونس والثانية الى ميناءي رادس وحلق الوادي.
في هذا الاطار تحديدا وأمام حجم التحديات كي لا نقول الخراب الذي عمّ البلاد من شمالها الى جنوبها، من عاصمة الجلاء بنزرت وجسرها الذي حان الوقت لايجاد حل جذري له، الى عاصمة الأغالبة القيروان وسورها وفسقيتها التي تحتاج الى التطهير والصيانة، الى عاصمة الجنوب صفاقس وهنشير الشعال ثاني أكبر هنشير من نوعه في العالم وحتمية انقاذه، وإلى قابس وتطاوين وجربة وفيها من الكفاءات والقدرات وفرص النجاح بقدر المشكلات الجاثمة فيها الآن؛ لا مناص من متابعة هذه الزيارات غير المعلنة وضبط جدول متابعة وتقييم.
نقول هذا الكلام بكل مسؤولية ونحن نستحضر زيارة رئيس الجمهورية على سبيل المثال الى معمل الحلفاء ومعمل السكر ومعمل الحديد ومصنع الحليب وورشات شركات النقل العمومي وبعض البنوك وحتى الوزارات الى جانب الساحات العامة في باب الجبلي بصفاقس او في سليانة وغيرها من ربوع الوطن وهي زيارات حظيت باستحسان الجميع واستبشر بها التونسون لما وجدوا فيها من صدق وفضح لمواطن الفساد في بلادنا وإصرار من منحوه الثقة على التصدي لهذا الفساد ومقاومته وتطهير الادارة منه.
ان النجاعة تقتضي مأسسة هذه الزيارات الميدانية غير المعلنة بوصفها من اساليب الحكم الجيد والاهتمام بالمتابعة سواء بخلق فريق أو هيكل صلب رئاسة الجمهورية او رئاسة الحكومة أو مثل ما حدث مؤخرا عند احداث اللجنة الوطنية للمشاريع الكبرى، المهم ان تكون ثمة قدرة وفاعلية في اصلاح كل المظاهر السلبية التي يتم التأشير عليها خلال الزيارة، واتخاد جميع الحلول العاجلة والآجلة فالمراكمة والتقييم المستمر وضخ الدماء الجديدة على قاعدة العدل والانصاف هي أقوم المسالك في ادارة الشأن العام.
ان المواطن التونسي كغيره من بني البشر، بحاجة الى اكتشاف ان المبادرات السياسية بصدد تغيير حياته نحو الأفضل، بعبارة اخرى هو بحاجة الى الانجازات وليس ذلك بالأمر العسير متى تمت ترجمة الأقوال والنوايا الطيبة إلى أفعال.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…