لم تكن ثورة التحرير الجزائرية مجرد حركة اصطدام مسلح بين المقاومة الجزائرية وجيش الاستعمار الفرنسي وإنما كانت «مشروع عبور» من حالة الى حالة لاقتلاع الوجود الفرنسي من على الأراضي الجزائرية حيث قرر شباب الحركة الوطنية المرور من حالة المفاوضات السياسية السلمية الى حالة المواجهة العسكرية القصوى أي المقاومة المسلحة المباشرة وذلك بعد فشل الحلول السلمية وبعد استعصاء الجيش الفرنسي الذي تمادى في ارتكاب فظائع صُنّفت كجرائم حرب ضد المواطنين السلميين…
قرار اطلاق الثورة المسلحة تم اتخاذه يوم 23 أكتوبر 1954 من طرف مجموعة من شباب الحركة الوطنية وقياداتها الذين اجتمعوا في منزل بأعالي العاصمة الجزائرية وقد اختاروا التحرك تحت اسم «جبهة التحرير الوطني» كتنظيم مسلح وحدّدوا تاريخ 31 أكتوبر من سنة 1954 موعدا فاصلا لقَدْحِ ثورة شعبية مسلحة انطلقت بالفعل في التاريخ المشار اليه من جبال الأوراس ثم تمددت في مناطق القبائل ثم شمالا من قسنطينة وصولا الى غرب وهران لتصل الى العاصمة ولتتسع شعبيا على كامل التراب الجزائري حيث فزعت الأرض ـ شعبا وعشبا ـ من أجل استرداد أديمها المنهوب ودفاعا عن حق سكانها الأصليين…
كانت ثورة شعبية مشهودة بل لنقل ملحمة بخط الدم الجزائري ودرسا ألهم حركات التحرر في العالم التي انتفضت بدورها وسارت على طريق الثورة الجزائرية التي امتدت على سبع سنوات الى ان رضخت فرنسا وطالبت بعودة المفاوضات السياسية سنة 1958 إلا أنها لم تتراجع عن جرائم الابادة التي ارتكبتها ضد الشعب الجزائري الى غاية 1962 بعد استفتاء شعبي صوّت فيه الجزائريون «لدولة مستقلة» كاملة السيادة على خلاف ما كان يسعى اليه المستعمر وهو إلحاق الجزائر بفرنسا وفي المحصّلة سجل تاريخ العار الفرنسي 1٫5 مليون شهيد و132 سنة من الاستعمار الفرنسي للاراضي الجزائرية.
نهضت الجزائر بعد ذلك من تحت رماد استعمار همجي أباد أكثر من مليون ونصف شهيد وانتهك الارض والعرض وأباح لجيشه الاستعماري ما لا يخطر على عقل اجرامي… لهذا كله «ولفظاعة الجرائم الاستعمارية» ما تزال الجزائر ـ سياسيا وشعبيا وتاريخيا ـ غاضبة الى الآن من فرنسا الاستعمارية وما تزال الى الآن بصدد مطالبتها بالاعتذار عن جرائمها وفي المقابل ما تزال فرنسا «ماكرون» متعالية على التاريخ وعلى الجغرافيا غير قابلة بمبدإ الاعتراف ثم الاعتذار وما تزال سياساتها استفزازية ضدّ الجزائر وهي تعمل على مزيد توتير علاقات الجزائر بجوارها على غرار ما أقدمت عليه الخارجية الفرنسية التي نشرت خارطة جديدة للمغرب تشمل الصحراء الغربية المتنازع عليها مع جبهة «البوليساريو» وذلك بالتزامن مع زيارة الدولة التي يؤديها الرئيس الفرنسي الى المغرب والذي لم يتردد في خطابه أمام البرلمان المغربي في القول وبشكل مباشر واستفزازي للجزائر: «أمّا بالنسبة لفرنسا فإنّ حاضر ومستقبل الصحراء الغربية إنما يندرج في إطار السيادة المغربية» وأضاف ماكرون.. «بأنّ فرنسا ستتحرك ديبلوماسيا في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لدعم مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب حلّا وحيدا للنزاع حول الصحراء الغربية» والمستمر منذ نصف قرن تقريبا.
ولم يتأخر الردّ الجزائري ـ بطبيعة الحال ـ حيث تقرّر سحب السفير فورا مع إدانة للموقف الفرنسي في بيان صدر عن الخارجية الجزائرية جاء فيه: «لقد أقدمت الحكومة الفرنسية على إعلان تأييدها القطعي والصريح للواقع الاستعماري المفروض فرضا في اقليم الصحراء الغربية وأن هذه الخطوة التي لم تقدم عليها أي حكومة فرنسية سابقة قد تمت مع الحكومة الحالية باستخفاف واستهتار كبيرين دون أي تقييم متبصّر للعواقب التي ستنجر عنها…» ـ وأضاف البيان ـ «وباعترافها بالمخطط المغربي للحكم الذاتي كأساس وحيد لحلّ نزاع الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية المزعومة فإنّ فرنسا تنتهك الشرعية الدولية..» الخ.
وفي نفس السياق أصدر البرلمان الجزائري بيانا ندّد فيه بخطاب «ماكرون» الاستفزازي وشنّ الاعلام الجزائري هجمة كبرى على ما اعتبره مسّا بالسيادة الجزائرية وأنّ الموقف الفرنسي المستفزّ للشعب الجزائري إنّما جاء بعدما نجحت فرنسا في اطلاق مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني في المنطقة وأقنعت المغرب التي لم تتردد في ذلك بل سارعت بفتح سفارة «للكيان» بالعاصمة المغربية ما اعتبر خذلانا لشعوب منطقة المغرب العربي.
ويبقى لتونس والجزائر وليبيا موقف موحّد من مسألة التطبيع بكل أشكاله وأيضا من محاولات التدخل في السيادات الوطنية على غرار ما تفعله فرنسا في الجزائر وما حاولت فعله في تونس منذ أشهر بمحاولتها «ابداء الرأي في شؤون داخلية..» وتونس كما هو معلوم تقف موقف الحياد في ملف الصحراء الغربية..
نختم بالتأكيد على أنّه من المتوقع أن تنعقد خلال الأسابيع القادمة القمّة التشاورية الثانية بين تونس والجزائر وليبيا بالعاصمة طرابلس وذلك بعد اختتام احتفالات الجزائر بالذكرى السبعين لثورتها المشهودة وهي مناسبة للنظر في الملفات المشتركة ولتنسيق المواقف في القضايا الاقليمية والدولية وسيكون لاعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية تداعيات كبرى على القمّة الثلاثية والتي ستكون مطالبة بتوحيد الموقف تجاه الاستفزاز الفرنسي ما نعتبره اختبارا صعبا أمام أشغال القمّة وقياداتها الثلاث.
تحيّة الى الشعب الجزائري وهو يحتفل بثورته الريادية.. بل لنقل الثورة الدرس..
«مجلس أعلى للثقافة».. من أجل إعادة البناء..!
من أكثر القطاعات التي تحتاج الى «حرب تحرير وتطهير» كبرى، قطاع الثقافة و«ثكنته البيروقراطي…