هنشير الشعّال وفسقية الأغالبة نموذج دالّ : مقاربة إشكاليات التنمية تبدأ من الجهات
كيف تكون ثاني أكبر غابة زيتون في العالم على تلك الوضعية من الإهمال والتدهور ؟ وكيف يكون حال أقدم منشأة مائية في التاريخ الإسلامي بذلك السوء ؟ ولماذا يتوقف ترميم سور اقدم مدينة عربية إسلامية في شمال افريقيا ؟ وهل يمكن الحديث عن تنمية جهوية او ثقافية وحضارية ونحن نتعامل مع تراثنا التاريخي بهذا القدر من الإهمال والتبخيس ونتعامل مع ثرواتنا الوطنية بمثل هذا التقصير؟
هي الأسئلة التي تعود في كل مرة مع فتح باب النقاش في قضايا التنمية التي غالبا ما تتبع أي زيارة ميدانية يقوم بها رئيس الجمهورية قيس سعيد وهو ما حدث مؤخرا عندما قام بالتوجه إلى هنشيرالشعّال ثم تولى زيارة بعض المعالم التاريخية لمدينة القيروان وتحديدا فسقية الاغالبة وسور المدينة.
والحقيقة ان هذه الزيارة أماطت اللثام على ملفات فساد ثقيلة فالوضعية التي كانت عليها ثاني أكبر غابة زيتون في العالم والتي هي على ملك الدولة التونسية فعلا صادمة فالأشجار لم يتم تشبيبها منذ فترة والآبار الارتوازية لم يتم جهرها كما تم بيع عدد كبير من الجرارات بثمن بخس يثير الحيرة. والواضح ان هناك نوايا للتفريط في هذا الهنشير للخواص بعد إتلاف الكثير من الأشجار كما لاحظ رئيس الجمهورية عند معاينته لهذه الغابة.
ولم تختلف الصورة كثيرا في عاصمة الأغالبة حيث تعاني معالمها الحضارية والتاريخية من التشوّه حد المسخ فهي مهملة متروكة دون صيانة او عناية بل باتت مكانا لإلقاء الفضلات. وهناك نتحدث عن فسقية الاغالبة التي هي في الحقيقة معلم مائي يتكون من حوض صغير لتصفية الماء وحوض كبير للتخزين وصهريجين لاستعمال الماء . وتحيل هذه الفسقية على مهارة الأغالبة الذين اجتهدوا من اجل إيجاد حل لنقص الماء.و هي بمثابة تحفة معمارية تاريخية لا تشبه سواها وهي أقدم المنشآت المائية في الحضارة الإسلامية. وهي مصنفة ضمن التراث العالمي منذ عام 1988. ولكنها مع الأسف تحولت الى مكان تلقى فيه القوارير البلاستيكية ويحتوي على مياه راكدة وهو ما كان مثار سخط عديد الزوار سواء من السياح الأجانب أو من المواطنين التونسيين. أما سور المدينة والذي لم تتم صيانته أيضا منذ فترة طويلة فقد اصبح يشكل خطرا على المارّة منذ ان سقط منه جزء وكانت لذلك الحدث اضرار خطيرة. وقد تعالت أصوات عديدة محذرة وداعية لصيانته لكن لا حياة لمن تنادي.
واليوم يأتي طرح هذه الإشكاليات من أعلى هرم السلطة الذي حمّل مرة أخرى المسؤوليات لأصحابها. والأكيد ان علامات التقصير والتراخي واضحة بل تصل حتى التواطؤ فرائحة الفساد في هذه الوضعيات تكاد تزكم الأنوف.
وبما أن شعار هذه المرحلة هو البناء والتشييد فالواضح ان المنطلق في هذا الشأن سيكون من الجهات حتى تتسنى محاربة الفساد من اسسه واقتلاعه من الجذور. فكل مسؤول جهوي أو محلي يتراخى او يقصّر او يريد ان يحقق منفعة خاصة له على حساب أملاك الدولة ومقدرتها أو إرثها الحضاري والثقافي لابد ان تتم محاسبته وإقالته من منصبه ليترك المجال لمن هو أكثر كفاءة ونجاعة منه بل وأكثر ولاء لتونس وانحيازا لمصلحتها الفضلى على حساب المصالح الضيقة.
إذن تأتي زيارة رئيس الجمهورية الى كل من هنشير الشعّال ومدينة القيروان في اطار تدشين مرحلة جديدة عنوانها الأبرز هو متابعة واقع الجهات عن كثب واتخاذ القرارات الملائمة للوضعيات المطروحة.
فتنمية الجهات وتحسين أوضاع المواطنين بها هو الأولوية الآن وهو اللبنة الأولى للتنمية الشاملة.
اتّساقا مع الرهانات الوطنية والإقليمية والدولية : المضيّ بخطى ثابتة نحو أفق جديد
على الجميع ان يحثّ الخطى في الاتجاه الذي رسمه الشعب لبناء تاريخ جديد … هذه الجملة هي…