رئيس الجمهورية يحفّز فريقه الحكومي.. نحو توحيد العزائم على طريق «البناء والتشييد»..
لم يعد خافيا على أحد من المتابعين للشأن التونسي في الداخل والخارج أن رئيس الجمهورية قيس سعيّد يعي جيّدا أن ولايته الرئاسية الثانية تختلف جوهريا عن الولاية الاولى في عديد المستويات، فالفترة ما بين 2019 و2024 شابتها الكثير من المتغيرات الطبيعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ونتحدث هنا عن جائحة الكوفيد والأزمة مع الحكومة والبرلمان أنذاك والوصول الى لحظة 25 جويلية، أما العهدة الجديدة فلن يكون فيها ما يبرّر تأخر الإنجاز وعدم ملامسة المواطن التونسي لتغيير إيجابي في حياته اليومية.
وقد رفع ساكن قرطاج بنفسه سقف انتظاراته وانتظارات التونسيين حين جعل شعار حملته الانتخابية «البناء والتشييد» ووضع المرحلة برمّتها تحت عنوان الدولة الاجتماعية.
والدولة الاجتماعية ليست مجرد شعار سياسي أو ترسانة من النصوص القانونية المجرّدة أو الكفاءات الادارية التي يعهد لها تسيير دواليب الدولة ومؤسساتها كما اتفق وسط بيئة أقل ما يقال فيها انها غير ملائمة وتشوبها العطالة وسوء التقدير والارتجال والتغاضي عن التجريم والافلات من العقاب.
ولا يتطلب الأمر جهدا كبيرا للوقوف على عمق الأزمة وحجم التحديات والمفارقات التي أعاقت أي عملية إصلاح أو إنقاذ، فالمختصون ورجال الأعمال والناشطون السياسيون والمدنيون والمواطنون العاديون يتحدثون باستمرار عن النصوص القانونية التي أصبحت كادوك، وبعضها يعود الى «الأيالة» التونسية ولا يمت لدولة الاستقلال بصلة.
والأدهى من ذلك ان الجميع واعون بأن عجلة الاستثمار متوقفة جراء هذه النصوص التي تجاوزها الزمن، والتي تعجّ بالثغرات التي يتسلّل منها الفساد أضف إلى ذلك هذه البيروقراطية المقيتة التي ضربت الادارة في مقتل وجعلت خزائن المؤسسات مليئة بالأوراق التي لا طائل منها في زمن الرقمنة مع وجود مسؤولين غير مناسبين في الأمكنة المناسبة، همّهم الوحيد نوع السيارة وحجم وصولات بنزينها مع التنسيب بطبيعة الحال والإشادة بعدد لا يستهان به من رجال الدولة ومن أبناء الادارة التونسية الذين لم يتوانوا يوما في خدمتها رغم الصعوبات.
في هذا الإطار تقريبا جاء اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية قيس سعيّد ظهر الاثنين 28 أكتوبر 2024 بقصر قرطاج برئيس الحكومة كمال المدوري والذي تم خلاله التأكيد على ضرورة الإسراع بإعداد عديد مشاريع النصوص القانونية في كافة المجالات وخاصة في المجال الاجتماعي للقطع نهائيا مع نظام قانوني لا يمكن أن تُدار به هذه المرحلة من تاريخ تونس وفق ما جاء في بلاغ صادر عن رئاسة الجمهورية.
كما وقع التنصيص وفق نفس البلاغ على «أن أي مسؤول لا يكون في مستوى المسؤولية وفي مستوى التعفّف ومثالا يُحتذى به لن يتمّ التردّد في استبداله ومحاسبته».
ويتقاطع رأي رئيس الجمهورية مع الرأي السائد في الشارع التونسي اليوم من أن عديد المرافق العمومية لا تشتغل على الوجه المطلوب ومازال عدد من المسؤولين عن إدارتها لم يستوعبوا اللحظة التاريخية التي تعيشها تونس.
ومرّة أخرى يكرّر ساكن قرطاج مقولة «ضرورة مواصلة تطهير الإدارة»، وهي مقولة اصطدمت على ما يبدو بالإرث الثقيل في هذه الادارة وبعدم قدرة عدد من «المسؤولين» على الحسم، لغياب مواصفات المسؤول أو ربما الاشتراك مع المعنيين بالتطهير في بعض النقاط كعدم امتلاك الشهائد العلمية أو الارتقاء المهني على غير وجه حق..
ولعلّ من أصعب الأمور في هذه المرحلة اختيار المسؤولين، إما لعدم رغبة بعض من تتوفر فيهم الشروط لأسباب ذاتية وموضوعية وجيهة أو جراء نفوذ بعض المسؤولين الحاليين ونجاحهم في تحصين أنفسهم وإبداء الاستعداد للتأقلم مع شعارت المرحلة كما كانوا يفعلون مع كل حقبة.
وحسنا فعل رئيس الجمهورية بمصارحة رئيس حكومته وفريقه في الوظيفة التنفيذية وتحفيزهم على أن النصوص القانونية والموارد البشرية الرّاهنة هما عائقان أمام «البناء والتشيبد» وبالتالي لا بد من مضاعفة السرعة والجرأة والقيام بجرد كامل وسريع لكل المطبات والاشكاليات الموجودة في جميع النصوص القانونية في مستوى كل وزارة وإعداد المبادرات التشريعية الضرورية لتعديلها.
أما في ما يتعلق بالموارد البشرية فان «الكاستينغ» في تقديرنا أصعب مما يتصوره البعض، لان الامر يتعلق بمناخ عام خارج المؤسسات وخاصة داخلها فالتراكمات كثيرة و«بصمة» بعض «المسؤولين» السابقين المطلوب تغييرهم عميقة وعلاجها يستوجب تدخلا قيصريا للقطع مع الرداءة والعطالة والتضليل في آجال قصيرة تقتضيها المرحلة وتمليها شروط النجاح.
التشخيص والتوصيف متّفق عليه : كيف سيتمّ إنقاذ المؤسسات العموميّة؟
أشار وزير النقل رشيد عامري مطلع الأسبوع الجاري بأن برنامج مراجعة شاملة لشركة الخطوط التونس…