في الشأن التربوي : عندما يلبّي التعليم حاجيات المتعلّمين
التعليم هو الذي يعطي الأمل للإنسانية في إصلاح عالمنا وتغيير ملامحه . وهذا لا يحصل إلا بواسطة الناشئة الذين يؤمّون المدارس اليوم ويستعدون لتحمل المسؤولية غدا . لذلك أصبح من الأكيد التفكير في تحويل مقاربات التعليم والتعلّم نحو تعليم قائم على تلبية حاجيات المتعلمين الفردية والجماعية، بمدهم بالمعارف والمهارات في إطار تعلّمات تلبي حاجياتهم الآنية والمستقبلية وتساعدهم على تلبية حاجيات مجتمعهم عندما يستلمون المشعل غدا . فما هي حاجيات الناشئة ؟ ووفق أي آليات يمكن تلبيتها ؟
تتعامل المنظومات التربوية مع الناشئة عموما على أنهم متقبلون تعلّمات يعدها لهم الكهول ويحددون مقارباتها على أنها الصالحة لتكوينهم دون التأكد من مدى توافق تلك التعلّمات مع حاجيات المتعلمين. لذلك يتواصل الاعتماد على تلك التعلّمات لسنوات دون تغييرات جذرية . وهذا يتوافق مع ما يؤكده المنتدى الاقتصادي العالمي « دافوس» في تقرير صادر في سبتمبر 2018 من أن معدل عمر الكفاية التي تدرس كان يقدر بـ 10 سنوات في السنوات الفارطة بينما ينتظر ألا يتجاوز سنتين ونصف في غضون سنة 2030 . لذلك يعتبر الناشئة اليوم أن عدة محتويات تعليمية لا تتوافق مع حاجياتهم وهي بعيدة عن انتظاراتهم . ومن هنا أفرزت البحوث منذ أواخر القرن الماضي مقاربات بيداغوجية جديدة ومحتويات رائدة تأخذ بعين الاعتبار حاجيات المتعلم . وقام التعليم على تلبية حاجيات المتعلمين الأساسية وتطويع الأهداف التربوية والوسائل والمحتويات البيداغوجية المستعملة في التدريس إلى تلك الحاجيات اعتمادا على خصائص المتعلّم الفردية والجمعية باعتبار أن الحاجة هي المحرك الأساسي لسلوك الانسان وبالتالي التلميذ وهي تختلف حسب المراحل التعليمية . ولأن الاهتمام بحاجيات المتعلمين يعزز فرصهم للنجاح ولأن التعليم يلعب دورا استراتيجيا ومحوريا في مجتمعاتنا، أوصت منظمة اليونسكو في القمة العالمية لتحويل التعليم ( سبتمبر 2023 ) بإعادة تصور الأنظمة التعليمية لتواكب التحديات المستقبلية في عالم متغير تحف به عديد المخاطر. ودعت المنظمة في أحد بنود خطتها الى تحويل التعليم إلى اعتماد مقاربة التعليم الذي يلبي حاجيات المتعلمين باعتبارها المقاربة الوحيدة التي تمكنهم مما يلزمهم من معارف ومهارات يحتاجونها في حياتهم العملية مما يحقق جودة التعليم، ويضمن اندماج المتعلمين في محيطهم المدرسي والدراسي . وبالتالي نضمن لكل متعلم العيش في رفاه داخل منظومة عادلة ومنصفة مما يساعده على النجاح ويؤهله للمساهمة الفعالة والنشطة في بناء مستقبل بلاده في المستقبل .
حاجيات المتعلمين الأساسية
نحتاج للخوض في هذه المسألة إلى دراسات ميدانية وطنية نفسية وتربوية باعتبار نوع الحاجيات واختلافها من بلد إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى . لكن هناك حاجيات جامعة أشارت إليها اليونسكو وعدة دراسات ، ومن أهمها :
ـ تعليم عادل ومنصف للجميع ويسوي بين الجنسين في فرص التعليم وخال من التمييز والتفرقة والعنف
ـ ثقافة مناخية مدمجة في البرامج الدراسية وخاصة في مجالي مقاومة التلوث والاحتباس الحراري
ـ توفر بنية تحتية رقمية للتعليم والتعلَم من أجل انتفاع المتعلمين بالتعليم الرقمي وتوظيفه
ـ التمكن من جميع فروع الإعلامية في التعليم المدرسي لجميع المتعلمين
ـ إقحام الذكاء الاصطناعي وعلم الروبوتات في البرامج التعليمية
ـ التمكن من مهارات القرن الحادي والعشرين والكفايات الأفقية والمهارات الحياتية
ـ إدماج الكفايات الاجتماعية في البرامج الدراسية لأنها تستجيب لحاجيات المتعلم ومن الأمثلة أن يتعلم التلميذ كيف يدافع عن حقوقه وكيف يفاوض ويستعمل الحجج («فيليب بريينو» Philippe Perrenoud في كتاب « عندما تدعي المدرسة أنها تعد للحياة» الصادر سنة 2011 )
ـ إدماج «الاقتصاد المنزلي» و«التربية على الصحة» و»التربية على التصرف المالي» كمواد دراسية في البرامج الرسمية .
ـ مهارة التعامل الجيد والحكيم مع ما يحدث وسيحدث في العالم من أزمات
ـ التعامل السليم مع المعلومات والمعطيات المتدفقة على شبكة الأنترنات وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي
ـ المرافقة التربوية لإزالة العوائق التي تعترض المتعلّمين وحل مشاكلهم مما يسهّل انخراطهم في العملية التعليمية التعلّمية
آليات التطبيق
وبالتوازي مع تلك الحاجيات نحتاج إلى توضيح أهم آليات التطبيق :
ـ تعليم متحرر من التعلمات النظرية
ـ اعتماد التعليم النشيط في التدريس
ـ اعتماد تراشح المواد interdisciplinarité
ـ توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال والهواتف الجوالة ووسائل التواصل الاجتماعي في التدريس
ـ اعتماد العمل التشاركي في القسم وخارجه بين التلاميذ
ـ توظيف التجريب والتعلم من خلال التجربة والتعليم القائم على المشاريع
ـ اعتماد البيداغوجيا الفارقية لمساعدة التلاميذ الذين يعانون صعوبات مما يسهل اندماجهم المدرسي والعمل على تطوير قدراتهم باعتماد أساليب تناسبهم وتراعي الفروق الفردية والاختلاف في أنساق التعلم
إن اعتماد هذه المقاربة وسيلة لزيادة دافعية التلاميذ نحو التعلم وهي رافعة لنسب النجاح ووسيلة من الوسائل الفعالة التي تلبي طموحاتهم وتطلعاتهم مما يساعد على التصدي لظاهرتي الفشل والانقطاع المدرسيين وخاصة مغادرة آلاف المراهقين للمدرسة دون مؤهلات ولا مهارات .
وهذا يدعونا إلى تحيين منظومتنا على إيقاع المستقبل وإعداد الناشئة إعدادا يقوم على تلبية حاجياتهم الأساسية مما يساعدهم على الاندماج في عصرهم حتى يكونوا مستعدين للعيش في عصر غير عصرنا.
في الشأن التربوي : تربية الناشئة على المهارات أحد تحدّيات المدرسة
من بين التحديات الحياتية التي تواجه المجتمع الإنساني اليوم، والتي على المدرسة رفعها في كل…